تأثيرات السفر الطويل إلى الفضاء على جسم الإنسان

في عالم الفضاء، يعتبر استكشاف الآثار الفسيولوجية للإقامة الطويلة في الفضاء موضوعًا يثير اهتمام العلماء والباحثين على حد سواء. يتناول هذا المقال تأثير الرحلات الفضائية الطويلة على جسم الإنسان، مستعرضًا كيف يمكن أن تؤثر فترات الإقامة الممتدة في بيئة الجاذبية المنخفضة على العضلات، الدماغ، وحتى البكتيريا المعوية. سنسلط الضوء على تجارب رواد الفضاء، مثل سوني ويليامز وبتش ويلمور، الذين وجّهتهم ظروف غير متوقعة للبقاء في الفضاء لأكثر مما خططوا، وكذلك تجارب الرواد الذين حققوا أرقامًا قياسية في الإقامة خلال رحلاتهم السابقة. ماذا يحدث لجسم الرواد عند تعرضهم لعوامل مثل وزنية الجاذبية المنخفضة والتدريب البدني المتواصل؟ وكيف تتأثر صحتهم العامة ونمط حياتهم؟ دعونا نغوص في عالم الفضاء ونكتشف معًا كيف يُشكّل الفضاء أجسامنا وعقولنا بشكل غير متوقع.

تأثير الفضاء على الجسم البشري

تسعى الأبحاث إلى فهم كيف تؤثر الرحلات الطويلة في الفضاء على جسم الإنسان، حيث ثبت أن البقاء لفترات طويلة في بيئة انعدام الجاذبية يؤثر بشكل كبير على العضلات والعظام والجهاز العصبي. لقد بُين أن عدم التعرض للقوى الجاذبية المعتادة يسبب فقدانًا سريعًا في الكتلة العضلية، إذ يمكن أن تفقد العضلات ما يصل إلى 20% من كتلتها خلال أسبوعين فقط. تتركز الآثار في العضلات المسؤولة عن الحفاظ على الوضعية، مثل عضلات الظهر والرقبة. ووفقًا للدراسات، فإن تمارين المقاومة وحدها لا تكفي لوقف الخسائر، لذا تُعتبر الحاجة إلى تطوير استراتيجيات تمارين أكثر فعالية أمرًا ضروريًا. كما أن العظام تتعرض لتقليل في الكثافة المعدنية، مما يزيد من مخاطر الكسور ويؤخر شفاءها عند العودة إلى الأرض.

تحديات الحفاظ على الوزن والطعام في الفضاء

وقف الوزن في الفضاء ليس له نفس المعنى كما هو على الأرض، حيث يمكن لكافة الأشياء غير المرتبطة أن تطفو بحرية. ومع ذلك، فإن الحفاظ على نظام غذائي صحي يعد تحديًا حقيقيًا. بالرغم من توفر مجموعة متنوعة من الأطعمة الغذائية، فإن بعض رواد الفضاء، مثل سكوت كيلي، عانوا من فقدان جزء من كتلتهم الجسمانية خلال فترة وجودهم في الفضاء. فالتغيرات في البكتيريا والفطريات في الأمعاء كانت ملحوظة أيضًا، مما يشير إلى أنه حتى النظام الغذائي المتوازن يحتاج إلى تعديلات لاستيعاب تغيرات الجسم. التأثيرات الغذائية في الفضاء تعتمد على قدرة الأطعمة على البقاء طازجة وملائمة للاستهلاك لفترات طويلة.

التأثيرات البصرية نتيجة للعيش في بيئة انعدام الوزن

تتأثر الرؤية بشكل كبير بفعل التغيرات في توزيع السوائل داخل الجسم، حيث تتجمع السوائل في منطقة الرأس، مما يؤدي إلى وذمة يمكن أن تؤثر على العصب البصري. هذه التغيرات في الرؤية قد تظهر بعد أسبوعين من البقاء في الفضاء وتزداد حدة مع استمرار فترة الإقامة. التغيرات قد تشمل تدهور حدة الرؤية وتكوين آثار هيكلية في العين، وهو ما يشعر به العديد من رواد الفضاء عند عودتهم إلى الأرض. التعرض للإشعاع الكوني يزيد أيضًا من مخاطر مشاكل العين، مما يتطلب اتخاذ احتياطات خاصة لحماية العينين خلال مهام الفضاء الطويلة.

التأثيرات العصبية والذهنية للعيش في الفضاء

تتسبب الرحلات الطويلة في الفضاء في حدوث تغيرات ملحوظة في هياكل الدماغ، حيث أظهرت الدراسات تغييرات في مستوى الاتصال العصبي مما يؤثر على الوظائف الحركية. بينما يبقى أداء الكوكب العقلي لرواد الفضاء بشكل عام متسقًا مع نظرائهم على الأرض، فقد لوحظ أن بعض التغيرات في سرعة الأداء وبدقة الوظائف الإدراكية قد تحدث عند عودتهم. هذه الاضطرابات يمكن أن تكون نتيجة للتكيف مع بيئة جديدة ومحركات مختلفة عن ما كانوا معتادين عليه على الأرض. من الضروري فهم هذه الآثار حتى نتمكن من تهيئة بيئة ملائمة لرواد الفضاء في مهام استكشاف أعمق للفضاء.

أهمية التمارين البدنية واللياقة في الفضاء

تعتبر ممارسة الرياضة جزءًا أساسيًا من حياة رواد الفضاء في المحطة الدولية، حيث يُطلب منهم القيام بتمارين رياضية يومية لمواجهة الآثار السلبية للعيش في انعدام الوزن. تعتمد التمارين على مجموعة متنوعة من الأجهزة التي توفر المقاومة اللازمة، حيث تشمل تمارين القوة والتمارين الهوائية لضمان الحفاظ على الكتلة العضلية وكثافة العظام. على الرغم من الجهود المبذولة، لا يزال هناك فقدان ملحوظ في قوة العضلات، مما يجعل معرفة الاستراتيجيات الفعالة لتمارين الفضاء نقطة تركيز رئيسية. تعزز هذه التجارب من التنسيق بين طاقم الفضاء والباحثين لتحسين برامج التدريب لمواجهة التحديات المتعلقة بالرحلات الطويلة.

تأثير انعدام الجاذبية على الجسم البشري

يعتبر تأثير الجاذبية على الجسم البشري موضوعًا مهمًا في دراسة الفضاء. عندما يدخل رواد الفضاء إلى بيئة خالية من الجاذبية، يواجهون تحديات كبيرة تتعلق بالحركة والتوازن والإدراك الذاتي. على سبيل المثال، يحتاج الرواد إلى تعلم كيفية الحركة بشكل فعال في غياب الجاذبية، حيث لا يوجد “أعلى” أو “أسفل” لتوجيههم. تعلم الحركة في هذه الظروف الجديدة يمكن أن يكون معقدًا للغاية. أظهرت الأبحاث أن تأقلم الرواد مع عدم وجود جاذبية يؤثر على تنسيقهم وحركتهم، ويجعلهم بحاجة إلى تطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع هذا الفضاء غير المألوف.

علاوة على ذلك، أظهرت الدراسات الأخيرة أن هناك تغييرات هيكلية في الدماغ يمكن أن تحدث خلال البعثات الطويلة في الفضاء. على سبيل المثال، تم رصد توسيع للحُفر في الدماغ المعروفة باسم البطينين الجانبي والثالث، التي تلعب دورًا رئيسيًا في تخزين السائل النخاعي وتوفير المغذيات والتخلص من النفايات. هذه التغييرات قد تستغرق حتى ثلاث سنوات لتعود إلى حجمها الطبيعي بعد العودة إلى الأرض. هذه النتائج تشير إلى أهمية فهم الآثار طويلة الأمد لرحلات الفضاء على الصحة العقلية والجسدية للرواد.

تأثير الفلورا المعوية على الصحة العامة

تعتبر الفلورا المعوية جزءًا أساسيًا من نظام المناعة والصحة العامة للإنسان. الأبحاث الحديثة أظهرت أن تنوع وكمية الكائنات الدقيقة التي تعيش في أمعائنا يمكن أن يؤثر بشكل كبير على كيفية هضمنا للطعام، وزيادة مستويات الالتهابات، وحتى تغيير طريقة عمل أدمغتنا. بعد رحلة رائد الفضاء سكوت كيلي إلى محطة الفضاء الدولية (ISS)، وجدت الدراسات أن بكتيريا وفطريات الأمعاء لديه قد تغيرت بشكل ملحوظ مقارنة بالفترة التي سبقت رحلته.

يمكن أن يكون تناول الطعام في الفضاء، الذي يختلف اختلافًا جذريًا عن الطعام المعتاد على الأرض، له تأثير كبير على تكوين الفلورا المعوية. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر العوامل البيئية مثل التعرض للإشعاع واستخدام الماء المعاد تدويره على هذا التنوع. هذا يسلط الضوء على أهمية دراسة الفلورا المعوية وكيف يمكن أن تؤثر على الصحة العامة للرواد في الفضاء وأثناء عودتهم إلى الأرض.

تغيرات الجلد بسبب البيئة الفضائية

يعتبر تأثير الفضاء على الجلد جانبًا آخر يستحق الدراسة. إذ اعترف رائد الفضاء سكوت كيلي بأنه واجه مشاكل مثل الحساسية وظهور الطفح الجلدي بعد عودته من مهمته. كانت هذه الأعراض ملاحظة خلال ستة أيام بعد العودة من محطة الفضاء الدولية. يُعتقد أن هذه المسائل قد تكون ناتجة عن نقص التحفيز الجلدي نتيجة لوجوده في بيئة خالية من الجاذبية لفترة طويلة.

الدراسات العلمية التي تدرس تأثير الفضاء على البشرة يمكن أن تساعد في تحسين رعاية الجلد للرواد على المدى الطويل، خاصةً مع زيادة مدة رحلات الفضاء وما يتطلبه ذلك من رعاية صحية متواصلة.

التغييرات الجينية وتأثير أطوال التيلوميرات

من الاكتشافات المهمة المتعلقة برحلات الفضاء تأثيرها على ال DNA. تتواجد هياكل مسماة بالتيلوميرات في نهاية كل خيط من الحمض النووي، وتعتبر هذه الهياكل مصدراً لحماية الجينات من الضرر. وقد أظهرت الأبحاث ارتفاعاً غير متوقع في طول التيلوميرات خلال فترة وجود الرواد في الفضاء. لكن سرعان ما انخفضت تلك الأطوال بشكل كبير عند عودتهم إلى الأرض.

هذه الاكتشافات تثير تساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة، وما إذا كانت مرتبطة بالتعرض للإشعاع المعقد في الفضاء. علاوة على ذلك، وُجدت تغييرات في التعبير الجيني لدى الرواد يمكن أن تكون مرتبطة باستجابات الجسم عن الأضرار في الحمض النووي، وتكوين العظام، واستجابة الجهاز المناعي للإجهاد. معظم هذه التغييرات تعود إلى وضعها الطبيعي خلال ستة أشهر من العودة، لكن فهم التأثيرات المستمرة للمسافر بعد العودة يبقى موضوع بحث مستمر.

استجابة الجهاز المناعي في بيئة الفضاء

تثير تأثيرات الفضاء على الجهاز المناعي للرواد اهتمامًا كبيرًا في المجتمع العلمي. رصدت الأبحاث تغييرات في عدد كريات الدم البيضاء، مما يعني أن رواد الفضاء قد يواجهون مخاطر صحية متزايدة نتيجة التعرض للإشعاع. بينما لم يواجه سكوت كيلي أية مشكلات صحية كبيرة خلال رحلته، فإن البحث حول كيفية تعامل أجسام جميع رواد الفضاء مع الظروف المختلفة في الفضاء سيكون ذا أهمية خاصة على المدى الطويل.

عُقدت دراسات جديدة لدراسة كيفية تفاوت استجابة الجهاز المناعي بين رواد الفضاء من الجنسين، مما أظهر أن هناك فروقات بين استجابة الرجال والنساء. هذه الفروق تثير تساؤلات حول أسباب كون النساء أقل تأثرًا بالتغيرات المتعلقة بالفضاء، وقد تكون مرتبطة بكيفية استجابتهن للإجهاد.

رابط المصدر: https://www.bbc.com/future/article/20230927-what-a-long-term-mission-in-space-does-to-the-human-body

تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent