في عالم العمل اليوم، حيث تتزايد ضغوط العودة إلى المكاتب، تبرز تقنيات مراقبة الموظفين كموضوع شائك يثير النقاشات. مع بدء تنفيذ سياسات العودة للعمل، تتجه الأنظار نحو ما وراء الكواليس في بيئات العمل، حيث تراقب الشركات سلوكيات ووجود موظفيها عبر مجموعة متزايدة من الأدوات التكنولوجية. من القارئات البيومترية إلى أنظمة تتبع الحركة داخل المكاتب، يبدو أن فكرة “الرقابة” قد تصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للموظفين. يسعى هذا المقال لاستكشاف كيفية تأثير هذه التقنيات على بيئة الأعمال، والتحولات الاقتصادية التي أدت إلى تزايد استخدامها، بالإضافة إلى العواقب الأخلاقية والاجتماعية المحتملة التي قد تنجم عن استخدامها. تعالوا نغوص في تفاصيل هذه الظاهرة التي تحمل في طياتها تساؤلات حول الخصوصية والثقة في أماكن العمل.
تكنولوجيا مراقبة مكان العمل وظهور الاتجاهات الجديدة
تتزايد في الآونة الأخيرة الشركات التي تقدم تكنولوجيا مراقبة مكان العمل، حيث يعتقد أن العامل الأمريكي العادي يشكل تهديدًا محتملًا لأرباب العمل. تقارير استقصائية تشير إلى أن نصف الموظفين في الولايات المتحدة يعترفون بسرقة الوقت، مما يقود إلى الحاجة المتزايدة لاستخدام تقنيات مثل قارئات البيومترية لمراقبة الأداء. عقب انتهاء الجائحة، بدا أن العودة إلى العمل من المكاتب تتطلب تغييرات جديدة، خاصة بعد توجيهات الإدارة الحالية بالعودة إلى العمل بدوام كامل. وهذا قد زاد من قلق المديرين حول القدرة على قياس الإنتاجية ودوافع الموظفين أثناء العمل عن بُعد.
في ظل الواقع الجديد، يبرز السؤال: ما الذي نعود إليه بالفعل؟ استخدام تقنيات مثل بطاقات RFID، تطبيقات GPS، وتقنيات التعرف البيومتري أصبح شائعًا في مختلف الصناعات. وقد تم تقديمها كوسيلة لمنع العمال من “السرقة الزمنية” من خلال التلاعب بالوقت وتسجيل الحضور. وبعد العودة إلى المكتب، قد تكون هذه المراقبة على نفس القدر من الأهمية للموظفين الذين يحصلون على رواتب ثابتة.
التوجه إلى نظم تتبع مختلفة في المكاتب
أحدث الابتكارات في نظم تتبع الحضور والإنتاجية تشمل منصات مثل نظام OmniKey من HID، الذي يمثل نظام تسجيل دخول أمني شامل للموظفين. يُستخدم في العديد من القطاعات بما في ذلك المصانع والمستشفيات، ويجمع بين تقنيات متعددة من مراقبة الدخول والخروج إلى رصد استخدام الاجتماعات والكافتريات. هذه الأنظمة ليست جديدة فحسب، بل تم تحسينها لتشمل حتى الأماكن المكتبية التقليدية، مما يوفر للمديرين معلومات دقيقة حول استخدام المكاتب.
التكنولوجيا التي تستخدم في مراقبة الأماكن المكتبية تشمل أجهزة استشعار الحركة، وكاميرات، وتقنيات Bluetooth، التي تعمل على تتبع وجود الموظفين بشكل مستمر. على سبيل المثال، تقدم شركة Spacewell مزيجًا من أجهزة الاستشعار الذكية التي تراقب وضع desks وoccupancy rooms. تساعد هذه البيانات في تحسين إدارة المساحات المكتبية ومراقبة الظروف البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة، مما يسهل توفير بيئة عمل مريحة وفعالة.
أبعاد الخصوصية والأمان في استخدام تكنولوجيا المراقبة
مع تزايد استخدام تكنولوجيا المراقبة، تصبح مخاوف الخصوصية والأمان أكثر إثارة للقلق. منصات مثل Cisco Spaces تُستخدم لتجميع كميات هائلة من بيانات الحركة والسلوك داخل المكاتب. تُظهر هذه الأنظمة كيف يتحرك الموظفون وأي المناطق تُستخدم بشكل أكبر، مما يمكن المسؤولين من اتخاذ قرارات أفضل. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن استخدام البيانات الحساسة يجب أن يتضمن ضمانات قوية لحماية الخصوصية لضمان عدم استخدام هذه البيانات لأغراض غير مصرح بها.
تتضمن المخاطر المحتملة تحول التكنولوجيا من استخدامها لمجالات مشروعة مثل تحسين استهلاك الطاقة وصحة الموظفين إلى استخدامات أكثر تدخلاً. تتطلب هذه المسألة من الشركات ضرورة العمل على شفافية البيانات المتاحة للموظفين وتحديد كيفية استخدامها بشكل واضح.
تأثيرات العودة إلى المكتب على ثقافة العمل
بعودة الشركات إلى العمل من المكاتب، يتبلور تأثير هذا التوجه على ثقافة العمل بشكل عام. حيث إن الشركات التي تستخدم تقنيات مراقبة متطورة قد تجد نفسها في وضع فريد من حيث القدرة على إدارة الأداء وفقًا لمعايير جديدة. هذا يعني أن الحلول التقنية لم تعد مجرد أدوات للدعم، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من كيفية عمل الشركات وتفاعلهم مع الموظفين.
بينما تسعى الشركات لتحقيق أقصى فائدة من مكان العمل ومراقبة الإنتاجية، من الضروري مراعاة التوازن بين الإنتاجية وجودة الحياة بالنسبة للعاملين. اعتماد ثقافة العمل التي تحترم الخصوصية وتعطي الموظفين حرية الحركة داخل المكاتب سيؤدي إلى تحسين الأداء ورفع الروح المعنوية وسط الموظفين.
تقنيات تتبع الموقع الداخلي وتأثيرها على بيئة العمل
تتطور تقنيات تتبع الموقع الداخلي بسرعة، وتدخل هذه التقنيات في العديد من جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك أماكن العمل. تقدم الشركات الكبرى مثل Cisco وJuniper حلولًا تعتمد على الشبكات اللاسلكية (Wi-Fi) والعلامات المتعلقة بتقنية البلوتوث لتحديد مواقع الأشخاص والأجهزة المتصلة. يتخطى الأمر مجرد معرفة مكان الأشخاص، إلى تجميع بيانات دقيقة حول سلوكيات العمال، مثل أوقات الدخول والخروج، ومدة الزيارات للأماكن المختلفة. هذه الأنظمة، على الرغم من فوائدها المزعومة في تحسين الإنتاجية، تحمل قضايا أخلاقية وقانونية معقدة.
على سبيل المثال، نظام Juniper Mist ليس فقط لتوفير نوع من الراحة في تحديد المواقع، بل يمكنه أيضًا تقديم سجلات دقيقة عن سلوك الموظفين. يستطيع المسؤولون معرفة ما إذا كان الموظف قد قضى الكثير من الوقت في منطقة الاستراحة أو المطبخ، مما قد يؤدي إلى قلق بشأن كيفية استخدام هذه البيانات وإمكانية استغلالها لأغراض غير عادلة. مثل هذه الأنظمة يمكن أن تؤدي إلى تقويض الثقة بين الموظفين والإدارة، حيث قد يشعر العمال بأنهم تحت المراقبة الدائمة، مما قد يؤثر سلبًا على الأداء النفسي والإبداعي.
تداعيات الرصد على القوى العاملة ومشاعر الموظفين
الرصد المنتشر في مكان العمل، بما في ذلك حلول مراقبة الأداء، لها آثار عميقة على كيفية تقييم الناس لأدوارهم في بيئة العمل. وفقًا لإليزابيث أندرسون، أستاذة الفلسفة العامة بجامعة ميسوري، فإن الاستخدام المفرط للرقابة ليس مجرد مسألة تتعلق بالتكنولوجيا، بل يتعلق بمشاعر القيم الذاتية للموظفين. فعلى سبيل المثال، في مواقع مثل وحدات رعاية الذاكرة، يتم تحديد عدد الدقائق المطلوب لكل نشاط مثل إطعام مريض، مما لا يأخذ في الاعتبار الحاجة إلى التواصل الإنساني والرعاية العاطفية.
البيانات السلبية الناتجة عن هذا النظام يمكن أن تؤدي إلى أضرار نفسية كبيرة. يمكن لهذه الأنظمة أن تؤدي إلى إصابة الموظفين بما يسمى بـ “الإصابة الأخلاقية”، حيث يُطلب منهم تحقيق أهداف غير واقعية في حين أنه يكون من الصعب قياس العناصر الأكثر دقة في العمل، مثل الرعاية الإنسانية. مثل هذه المرونة في العمل غالبًا ما تتطلب وقتًا غير مُحدد ولا يمكن تصنيفه بدقة في إطار الأعمال التجارية القياسية.
ثقة الموظفين والعلاقة مع التكنولوجيا الحديثة
الثقة في مكان العمل هي عنصر أساسي في تعزيز الإنتاجية والحفاظ على الروح المعنوية، ومع ذلك، فإن الرقابة المفرطة تتسبب في تآكل هذه الثقة. تُظهر الدراسات أن الموظفين العاملين تحت نظام مراقبة شديد قد يشعرون بعدم الثقة حيال أهداف الإدارة ودوافعها. كما أن قلقهم بشأن انتهاك الخصوصية يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقة بين العامل والإدارة. بالتالي، ظاهرة الشك والشك المتبادل تؤدي إلى بيئة عمل غير صحية ومنتجة.
يشير تقرير حديث من Pew Research إلى أن نسبة كبيرة من العمال يعارضون استخدام الذكاء الاصطناعي لتتبع الحضور أو حركة الموظفين. حتى عندما يكون هناك قبول لاستخدام أدوات معينة، فإن القلق بشأن الآثار التي قد تتبع استخدامها لا يزال مرتفعاً. الانتقال من الثقة إلى الشك لا يقتصر فقط على العلاقة بين الموظف وصاحب العمل، بل يتجاوز ذلك ليشمل العلاقة بين الموظف وزملائه. فعدم تواجد بيئة عمل تدعم الشفافية والثقة يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات سلبية مستدامة.
الإطار القانوني والخصوصية في مكان العمل
تعاني الأسس القانونية المتعلقة بمراقبة أماكن العمل من نواحي ضعف كبيرة في العديد من الحالات، مما يترك العمال في وضع غير مستقر. في الولايات المتحدة، يسمح قانون الاتصالات الإلكترونية بمراقبة الموظفين لأسباب تجارية مشروعة، ولكنه لا يتخذ خطوات لحماية الخصوصية بشكل فعّال. بينما في أوروبا، لدى الدول مجموعة من القوانين القوية التي تحمي حقوق العمال وتفرض قيودًا على المراقبة.
يتطلب الوضع الحالي إزالة الغموض حول القضايا القانونية المرتبطة بمراقبة العمل، ويجب أن يتم إنشاء إطار عمل طموح يعزز من حقوق العمال ويمنع الانتهاكات. إن القوانين مثل قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا تساعد في توفير بعض الحماية، ولكن على المستوى الفيدرالي لا يزال هناك انخفاض في التنظيمات الحقيقية التي تدعم حقوق العمال وتضمن بيئة عمل صحية. يتضح أن الفجوة بين ما هو مقبول قانونياً في دول مثل المملكة المتحدة وممارسات المراقبة في الولايات المتحدة تحتاج إلى مراجعة عاجلة.
مراقبة الموظفين وتقنيات التعرف على الوجه
تتزايد المخاوف من استخدام تقنيات المراقبة، مثل التعرف على الوجه وأنظمة قياس البصمات، في أماكن العمل. مؤخرًا، اتخذت هيئة مراقبة الخصوصية في المملكة المتحدة، وهي مكتب مفوض المعلومات (ICO)، خطوة جريئة بوقف استخدام هذه التقنيات من قبل شركة Shopworks التي كانت تُستخدم لتتبع أوقات الحضور لـ 2000 موظف في 38 مركز ترفيهي. هذا القرار لم يكن مجرد استجابة لمخاوف الخصوصية، بل شجع أيضًا المزيد من الشركات على مراجعة أو إلغاء هذه الأنظمة. على سبيل المثال، قامت شركة Virgin Active بإزالة أنظمة المراقبة البيومترية من أكثر من 30 موقعًا بعد صدور التوجيهات الجديدة.
في الولايات المتحدة، ورغم عدم وجود حقوق شاملة للخصوصية، إلا أن الاحتجاجات العمالية وتنظيم النقابات والاهتمام الإعلامي يمكن أن توفر نوعًا من الحماية ضد بعض خطط المراقبة في العمل. النقابات مثل نقابة موظفي الخدمات الدولية تعمل على دفع قانونيات لحماية العمال من خوارزميات “الصندوق الأسود” التي تتحكم في وتيرة الإنتاج. وهذه الحركة تُظهر كيفية تعامل الموظفين مع القضايا المتعلقة بالخصوصية بشكل فعال، حيث تتمكن النقابات من التفاوض على شروط أفضل وتقديم الدعم للموظفين.
تراجع أكبر الشركات عن تقنيات المراقبة
في ديسمبر، أوقفت شركة Boeing تجربة لمراقبة الموظفين في مكاتبها بميسوري وواشنطن بعد تسريب عرض تقديمي داخلي عن التقنية المستخدمة، والتي تعتمد على حساسات حركة بالأشعة تحت الحمراء وكاميرات VuSensor. أكدت الشركة بعد أسابيع قليلة أنها ستقوم بإزالة جميع الحساسات المثبتة. يعتبر هذا القرار مؤشرًا على كيفية استجابة الشركات للضغوطات المحيطة بقضية الخصوصية.
الحساسات المستخدمة تحت المكاتب، على وجه الخصوص، تلقت ردود أفعال سلبية بارزة من الموظفين. في خريف 2022، قام طلاب بجامعة نورث إيسترن باختراق وإزالة حساس Wi-Fi كان مزودًا بتكنولوجيا تعقب الوجود وعد الأشخاص. هذه الخطوات توضح مدى الوعي والتحدي الذي يقوم به الجيل الجديد من العمال تجاه تقنيات المراقبة، والتي يشعرون بأنها تتجاوز الحدود المقبولة.
التأثير التاريخي لسياسات العمل والمراقبة
على الرغم من أن ثقافة مراقبة الموظفين قد تبدو حديثة نسبيًا، يمكن تتبع جذورها إلى المفاهيم التقليدية للـ”أخلاقية العملية” التي طورها الكالفينيون في القرون 16 و17. حيث كان يُنظر إليها كوسيلة لتحقيق النجاة الروحية من خلال العمل الجاد وعدم إضاعة الوقت. ومن هنا، بدأت تتحول فكرة عدم إضاعة الوقت إلى استراتيجية تهدف لتحقيق الأرباح في ظل الثورة الصناعية.
كان هناك وقت كانت فيه القيم الأخلاقية تتضمن أيضًا توفير الأجور الكافية وظروف العمل الصحية. ومع ذلك، ومع تطور الزمن، فقدت بعض هذه القيم الأساسية لقدرتها على التكيف مع الواقع العصري، الذي يركز أكثر على الكفاءة والإنتاجية والمراقبة الدائمة. وهذا يطرح تساؤلات حول كيفية تحقيق توازن بين احتياجات العمل وحماية خصوصية الأفراد في بيئات العمل الحديثة.
الالتزاماتات العمالية والخصوصية في عصر التكنولوجيا
في ظل الظروف الحالية، تواصل الشركات البحث عن طرق لمراقبة أداء الموظفين بشكل دقيق، وقد قوبل ذلك بالكثير من التساؤلات والتحديات. على سبيل المثال، فرضت Barclays غرامة قدرها 1.1 مليار دولار من قبل مكتب المفوض بسبب استخدامها لبرنامج Sapience لمراقبة الموظفين، الذي كان لديه القدرة على تتبع الموظفين بشكل مخصص. هذه الحالتين تشكلان أمثلة واضحة على الصراع المستمر بين الابتكار التكنولوجي وحقوق الموظفين الأساسية.
مع الاعتماد المتزايد على تقنيات المراقبة، يتعين على أصحاب العمل أن يوازنوا بذكاء بين استخدام هذه الأدوات لتسريع الإنتاج وتحسين الكفاءة، وبين احترام خصوصية الموظفين وحقوقهم. إن التنسيق بين الأرواح المؤسسية والعمالية يجب أن يتزايد في ظل الانتقادات والمخاوف المتزايدة، مما يدعو الشركات لإعادة تقييم سياساتها واتخاذ خطوات فعالة لضمان بيئات العمل الملائمة.
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً