تعتبر مراقبة مكان العمل تقنية حديثة أثارت العديد من النقاشات حول تأثيرها على العلاقات بين الموظفين وأرباب العمل. في ظل التحولات الأخيرة في سياسات العودة إلى المكاتب، تتزايد أساليب المراقبة التي تستخدمها الشركات لمتابعة أداء موظفيها وحضورهم. من تقنيات قراءة القياسات الحيوية إلى تطبيقات تتبع وقت العمل، تستخدم المؤسسات مجموعة متنوعة من الوسائل لمراقبة أنشطة العاملين، مما يثير تساؤلات عديدة حول الخصوصية والثقة. في هذا المقال، نستعرض التحولات التي شهدها عالم العمل بعد جائحة كوفيد-19، وكيف أدت الضغوط الاقتصادية والتغيرات التكنولوجية إلى دفع العديد من الشركات لتبني أنظمة مراقبة متطورة، كما سنناقش آراء الخبراء بشأن فعالية هذه الأنظمة وأثرها على معنويات الموظفين وإنتاجيتهم.
التقنية في مراقبة مكان العمل
أصبحت تقنيات مراقبة الأفراد في بيئات العمل أكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، حيث تستخدم الشركات مجموعة متنوعة من الأدوات لمتابعة الوقت والحضور والإنتاجية. من الأمثلة الشائعة على هذه التقنيات بطاقات RFID، تطبيقات GPS لتسجيل الدخول، وأجهزة قياس بصمات الأصابع، وغيرها من الأجهزة التي تهدف إلى تقليل ما يعرف بسرقة الوقت من قبل العاملين. ومع ظهور المتطلبات الجديدة للعودة إلى العمل في المكتب، استمر استخدام هذه التقنيات في النمو، حيث أصبح الرصد ليس محصوراً فقط على العمال بالساعة، بل امتد ليشمل العاملين بدوام كامل أيضاً.
تعبر الاتجاهات السائدة في مراقبة العمال عن تحولات كبيرة في طريقة إدارة الموظفين، لا سيما بعد التغيرات التي أحدثتها جائحة كوفيد-19. فقبل الجائحة، كانت العديد من الشركات تعتمد على أنظمة الحضور التقليدية ولكن بعدما أظهرت الحالات أن العمل عن بُعد قد يكون فعالاً، استمرت بعض الشركات في التعبير عن قلقها من انعدام السيطرة على الإنتاجية.
الآن، ومع اتجاه المزيد من الشركات لإعادة الموظفين إلى المكاتب، فإن الضغط لقياس الإنتاجية والرصد داخلياً زاد بشكل ملحوظ. يشير المحللون إلى أن قدرة الشركات على قياس السلوك والإنتاجية في المكتب أصبحت متاحة الآن من خلال تقنيات مثل أنظمة الحساسات والأدوات التي تسجل حركة الأشخاص داخل المباني، وهو ما كان غير متاح في السابق أو حتى غير مقبول اجتماعياً.
التأثيرات الاقتصادية على العمل المكتبي
يتسبب تباطؤ الاقتصاد في الولايات المتحدة في تغييرات ملحوظة في كيفية إدارة القوى العاملة. يحذر الخبراء من أن الشركات العازمة على استعادة الموظفين إلى المكتب تفعل ذلك بالنظر إلى عدم استدامة نموذج العمل الحالي. يتحدث المحللون مثل جوش بيرسين عن أهمية إعادة تخصيص الموارد لا سيما نحو مشاريع الذكاء الاصطناعي، مما يؤثر على التوظيف بشكل كبير.
يحيط القلق التوجهات الحديثة لاسترجاع الموظفين لمكاتبهم. في ظل غياب طرق فعالة لقياس إنتاجية العمل عن بُعد، تلجأ الشركات إلى وسائل مراقبة أكثر صرامة، والتي قد يصل بعضها إلى حدود انعدام الخصوصية. كما أن الضغط من قبل الرؤساء التنفيذيين لزيادة الإنتاجية، يؤدي إلى إطلاق سياسات جديدة تتطلب من الموظفين العودة إلى العمل التقليدي بشكل أكثر صرامة.
تظهر الدراسات أن 70 إلى 80 في المئة من جهود المراقبة تركز على العمال، بينما تتجه بعض الشركات الكبيرة لتطبيق اللقاءات الحقيقية لضمان الالتزام بأنظمة المكتب. ومع انفراد الشركات الكبرى في تنفيذ سياسات العودة، فإن الزيادة في استخدام أدوات وتقنيات جديدة تسهم في صعوبة تحديد الحدود بين الحضور والمشاركة الفعلية.
التحديات المتعلقة بالخصوصية والأخلاقيات
مع تزايد تقنيات مراقبة الموظفين، تتصاعد المخاوف بشأن الخصوصية والأخلاقيات. يشير الخبراء إلى أن الاعتماد المستمر على تقنيات متقدمة لمراقبة العمل قد يؤدي إلى تجاوزات في كيفية استخدامها. النظام المستخدم في Cisco Spaces على سبيل المثال، يمكن أن يزود الشركات بإحصاءات وبيانات دقيقة عن سلوك العاملين، بما في ذلك معلومات تتعلق بتواجدهم ووقتهم في المكاتب.
هذا النوع من المراقبة، رغم أنه قد يتم تسويقه كأداة لزيادة الكفاءة، لا يخلو من المخاطر الكبيرة على حقوق العاملين. نظراً لأن البيانات التي تجمع يمكن استخدامها لتتبع تحركات الأفراد بشكل دقيق، قد يحدث استغلال لها لأغراض أخرى تتجاوز هدفها الأساسي. يضيف النقاد أن هناك الحاجة لتواجد سياسات صارمة لحماية البيانات للحفاظ على حقوق العمال وخصوصيتهم.
يفسر البعض أن الآثار المحتملة لهذه الممارسات يمكن أن تكون مدمرة للأخلاقيات العامة، فالعامل الذي يشعر بأنه مراقب بشكل دائم قد يؤثر ذلك سلباً على معنوياته وإنتاجيته. التوازن بين مراقبة الموظف وحقوقه الشخصية جدلي ويمثل تحدياً حقيقياً للمديرين وصناع القرار.
مستقبل العمل في ظل التقنية الحديثة
تنبئ الاتجاهات الحالية بأن مستقبل العمل في بيئات المكاتب سيتحرك بشكل كبير نحو الاستفادة من التقنيات المتقدمة. إن استخدام تقنيات مثل الأنظمة الأمنية القائمة على البيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي، سيساعد الشركات على إعادة تشكيل بيئة العمل. تشير التقديرات إلى أن سوق تقنيات مراقبة الموظفين من المتوقع أن يحقق نمواً كبيراً جذاباً للمستثمرين. لكن التفاؤل حول هذه التقنيات يستتبعه حاجة لمراقبة العواقب الأخلاقية والاجتماعية.
التوجهات المتزايدة نحو “المكاتب المتصلة” ووجود تقنيات أكثر تطوراً في أماكن العمل يعكس رغبة ملحة لتغيير الأساليب التقليدية. يتوقع المحللون أن يشكل هذا التحول طريقاً جديداً لتجربة العمل، بحيث تصبح المكاتب مجهزة بأساليب ذكية لتحسين الإنتاجية وتحقيق التوازن الضروري بين العمل والحياة.
في النهاية، يتطلب الحفاظ على بيئة عمل صحية ومستدامة النظر بعناية في كيفية استخدام التكنولوجيا ومراقبة فعالية الأعمال. النجاح هنا يعتمد على إيجاد حلول تكنولوجية تراعي خصوصية الأفراد وتضمن قدرتهم على العمل بفعالية مع الحفاظ على مستويات صحية من الأمان الشخصي والحرية في الأداء.
التكنولوجيا وتعقب الموظفين
تتزايد التكنولوجيا المستخدمة في بيئات العمل بشكل كبير، مما يؤدي إلى تواجد أنظمة تتبع داخلية تتعلق بموقع الموظفين. تعتمد هذه الأنظمة على الشبكات اللاسلكية (Wi-Fi) وأيضًا على أجهزة تتبع بلوتوث، حيث تُمكن الشركات من معرفة مواقع الموظفين وأوقات دخولهم وخروجهم بكل دقة. على سبيل المثال، توفر منصات مثل Cisco و Juniper’s Mist هذه الخدمات، ولكن استخدامها يُثير القلق حول الخصوصية وأشخاص الموظفين. قد تؤدي هذه الأنظمة، على سبيل المثال، إلى استغلال المعلومات لأغراض سلبية كالبحث عن أدلة لفصل موظف ما. هذا يُلفت الانتباه إلى ضرورة وجود إجراءات وقاية تحمي الموظفين من استغلال هذه البيانات.
المراقبة في بيئات العمل وخطر التقنيات على الموظفين
تكشف المراقبة المستمرة في بيئات العمل عن قضايا خطيرة تتعلق بتأثيرها على الموظفين. مراقبة الأداء لا تتعلق فقط بكيفية أداء المهام وإنما تمس التوجهات الإنسانية كالإبداع والعلاق. العديد من أنظمة المراقبة تُفرض قيودًا تناقض الحاجة الأساسية للموظفين في الانخراط بحرية وإجراء تفاعلات طبيعية مع الآخرين. فعلى سبيل المثال، مراقبة الوقت في مهن مثل التمريض يشير إلى ضرورة الانتباه لأكثر من مجرد إنهاء المهام، حيث يحتاج الكادر الطبي إلى وقت لتقديم الرعاية والتفاعل مع المرضى، مما يتطلب قدراً من الإبداع والتعاطف لا يمكن قياسه بدقة من خلال الأرقام.
تأثير المراقبة على الصحة النفسية والإنتاجية
تعتبر الضغوط المصاحبة لمراقبة الأداء خطراً على الصحة النفسية للموظفين وإنتاجيتهم. وفقًا لأبحاث حديثة، يتعرض الموظفون لتوتر زائد عندما تُفرض عليهم أنظمة صارمة للمراقبة، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تدهور الثقة بينهم وبين إدارتهم. التأثير النفسي المترتب على هذه الأنظمة يمكن أن يتجاوز الصحة النفسية إلى التأثير على الروح المعنوية بشكل عام على مستوى فريق العمل. بدلاً من تشجيع الروح التعاون والتفاعل، تؤدي البيانات الدقيقة حول الأداء إلى شعور الموظفين بأنهم مراقبون ومتحكم بهم بشكل مفرط.
حماية حقوق الموظفين في عصر التكنولوجيا
يبرز دور التشريعات في حماية حقوق الموظفين من الممارسات المتطفلة بالمراقبة. في بعض الولايات الأمريكية، توجد قوانين تحمي الخصوصية وتتطلب القوانين الحصول على موافقة الموظف قبل استخدام تقنيات المراقبة. بالمقابل، يفتقر الإطار القانوني الفيدرالي إلى الحماية الكافية، مما يُصعب عملية الحفاظ على حق الخصوصية في بيئة العمل. تقنيات مثل “البرامج التجسسية” التي تستخدمها الشركات لمراقبة الاتصالات الداخلية تُطرح تساؤلات حول حدود الخصوصية وتوازن السلطة داخل أماكن العمل. نظراً للاختلافات الكبيرة بين الأنظمة القانونية في الولايات المتحدة مقارنة بأوروبا، يسعى العديد من الناشطين للعمل نحو تشديد القوانين المتعلقة بمراقبة الموظفين.
ثقافة الثقة والتعاون في عصر البيانات
تُظهر الأدلة أن الثقة في بيئات العمل تُعتبر عاملاً حيوياً لتحقيق النجاح والإنتاجية. عندما تُزرع ثقافة تدعم الانفتاح والاحترام المتبادل بين الإدارة والموظفين، تتقلص الحاجة إلى مراقبة شديدة. تعزيز العلاقات الصحية في العمل يأتي من وضع توقعات معقولة وتحفيز الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم بدلاً من العمل تحت ضغوط المراقبة. يمكن للمؤسسات أن تستفيد من الاستثمار في تدريب القادة ومديري الموارد البشرية لتحقيق نجاح أكبر، وكذلك تحسين بيئة العمل عبر خلق مساحات آمنة للتفاعل والعمل.
مراقبة بيانات الموظفين: اتجاهات جديدة وقضايا خاصة بالخصوصية
تسعى العديد من الشركات لتطبيق تقنيات مراقبة متقدمة للموظفين مثل أنظمة التعرف على الوجه وبصمات الأصابع، لتتبع الحضور والانصراف. ومع ذلك، واجهت هذه التقنيات انتقادات شديدة من وكالات الخصوصية، مثل مكتب مفوض المعلومات (ICO) في المملكة المتحدة. فقد تم توجيه هذا المكتب لإيقاف استخدام الأنظمة المصنعة بواسطة شركة شوب ووركس، والتي تهدف إلى تتبع مواعيد وآراء 2000 موظف عبر 38 مركزًا ترفيهيًا في البلاد. بعد هذا التوجيه، اتجهت الكثير من الشركات، بما في ذلك شركة فيرجن أكتيف، إلى إعادة النظر في استخدام هذه التقنيات أو إلغائها تمامًا. يمثل هذا التحول في التفكير علامة بارزة على الوعي المتزايد حول حقوق الخصوصية في مكان العمل وأهمية حماية البيانات الشخصية.
في الولايات المتحدة، حيث لا توجد حقوق شاملة للخصوصية، يمكن أن توفر الاحتجاجات العمالية وتنظيم النقابات والمراقبة الإعلامية نوعًا من الحماية ضد بعض أنظمة المراقبة في المكاتب. على سبيل المثال، تدفع نقابات مثل نقابة العاملين في الخدمات إلى وضع قوانين لحماية العمال من الخوارزميات التي تحدد وتيرة الإنتاج. تعتبر هذه التحركات والشراكات بين العمال والنقابات عاملاً مهمًا في مواجهة أنظمة المراقبة البرمجية والمادية التي يمكن أن تؤثر على حقوق الموظفين وسلامتهم النفسية.
أثر تقنيات مراقبة الموظفين على بيئة العمل
قد يبدو استخدام التكنولوجيا لمراقبة الأداء أو الحضور للوهلة الأولى خطوة إيجابية نحو زيادة الإنتاجية، إلا أن العواقب الاجتماعية والنفسية لهذه الأنظمة يمكن أن تكون خطيرة. على سبيل المثال، أوقفت شركة بوينغ تجربة نظام مراقبة الموظفين، الذي كان يعتمد على مجسّات الحركة والأجهزة الكاميرا، بعدما تسربت معلومات عن المشروع إلى وسائل الإعلام. تجسد هذه الخطوة الوعي المتزايد بين الموظفين وأهمية الخصوصية في بيئة العمل، حيث يعتبر تسريب المعلومات دليلاً على عدم قبول هذه الأنظمة بين العمال.
خلال عام 2022، أظهر طلاب جامعة نورث إيسترن كيف يمكن للأفراد التمرد ضد أنظمة المراقبة من خلال اختراق وإزالة أجهزة استشعار مثبتة تحت المكاتب، مما يعكس الرفض العام للتدخل في حياتهم الخاصة. تعتبر مثل هذه الأفعال بمثابة إشارات تحذير للشركات التي تفكر في تطبيق تقنيات المراقبة، حيث يمكن أن تتسبب في اضطرابات وتأثيرات سلبية على الثقافة التنظيمية والمناخ العام في العمل.
تاريخ ثقافة مراقبة العمال
تاريخ ثقافة مراقبة الموظفين يمتد إلى قرون فائتة، حيث كان هناك شبه دائم من الفحص والمراقبة كجزء من الفكر البرتستانتي. في كتابها الأخير “Hijacked”، تشير إليزابيث أندرسون إلى أن هذه الثقافة بدأت في القرن السادس عشر والسبع عشر. كان البرتستانت يؤمنون بضرورة العمل بجد وعدم إضاعة الوقت لأسباب دينية. ومع تطور هذا الفكر، تم استغلاله في سياق الثورة الصناعية لزيادة الفعالية والجني المالي.
إلا أن هذا التوجه لم يكن يقتصر على الدوافع الاقتصادية فقط، بل كان هناك جانب إنساني أحيانًا في توجيه المعاملة بين أصحاب العمل والعمال. في إطار هذا التفكير، كانت هناك حدود واضحة لما كان ينبغي على الإدارة تقديمه للموظفين، مثل دفع الأجور الكافية وتوفير ظروف عمل آمنة وصحية. لقد أصبح التركيز على الكفاءة والساعات الطويلة للعمل مشوهًا، حتى مع فقد الكثير من القيم الأخلاقية الأصلية التي كانت تعزز شروط العمل اللائقة.
التحديات القانونية والأخلاقية في البعد الرقمي
تجارب الشركات مثل Barclays، التي واجهت غرامة مالية ضخمة بلغت 1.1 مليار دولار بعد تطبيق نظام مراقبة للموظفين باستخدام برمجيات Sapience، توضح كيف يمكن أن تؤدي انتهاكات الخصوصية إلى عواقب مالية وكارثية على الشركات. يُظهر هذا التحدي كيف أن التقنية يمكن أن تكون سيفًا ذا حدين، حيث تمكّن من تحقيق الإنتاجية ولكن قد تأتي على حساب السمعة والثقة بين الموظفين والإدارة.
تهدف هذه الأنظمة إلى تجهيز أرباب العمل بأدوات تساعدهم على تتبع أداء الموظفين، مثل برامج تتبع الامتثال لسياسات العودة إلى العمل. بينما تعتبر هذه الأدوات مفيدة في إدارة العمليات، فإن هناك حاجة ملحة لمراعاة تأثيرها على الخصوصية والحقوق الإنسانية للموظفين. يُظهر النزاع المستمر بين الحقوق الفردية واحتياجات المؤسسة الحتمية أهمية إنشاء إطار قانوني يوازن بين هذه المتطلبات، ويسمح بالتقدم التكنولوجي دون المساس بالحقوق الأساسية للعمال.
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً