تتزايد وتيرة الرقابة في أماكن العمل مع الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا لمراقبة الموظفين وتحسين الإنتاجية. في ظل عودة الشركات الأمريكية إلى سياسات الحضور الشخصي، مثل قرار شركات ضخمة مثل “جي بي مورغان تشيس” و”أمازون” بإنهاء العمل عن بُعد، يُطرح سؤال مهم: ماذا يعني هذا التحول بالنسبة للعمال؟ تتنوع التقنيات المستخدمة، من قارئات للبصمات إلى تطبيقات لمراقبة الموقع، مما يثير قلقاً بشأن مدى الخصوصية وحقوق العاملين. في هذا المقال، نستعرض الاتجاهات الجديدة في تقنيات مراقبة العمل وكيف تؤثر على الإنتاجية والبيئة العملية، بالإضافة إلى الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية لهذه التقنيات. لنبحث معًا في هذا الموضوع المعقد والمثير للجدل.
تكنولوجيا مراقبة مكان العمل والتحديات الأخلاقية
تُعتبر تكنولوجيا مراقبة مكان العمل واحدة من أكثر المواضيع إلحاحًا في عالم الأعمال الحديث. في السنوات الأخيرة، تم تسليط الضوء على زيادة استخدام هذه التكنولوجيات لمراقبة العاملين بشكل دقيق، مما أثار جدلًا واسعًا حول الخصوصية وحقوق العمال. يتم استخدام أدوات متعددة مثل بطاقات RFID، وتطبيقات توقيت GPS، ومستشعرات التعرف على الهوية البيومترية، لمتابعة حضور الموظفين، وقياس الإنتاجية، وهو ما يثير القلق بشأن كيفية استخدام هذه البيانات وتأثيرها على بيئة العمل.
يُظهر التاريخ أن تقنية الترميز البيولوجي، على سبيل المثال، تم تسويقها كوسيلة لتقليل حالات “سرقة الوقت” بين العمال الذين يضطرون إلى استخدام زملائهم في تسجيل الحضور. ومع ذلك، فإن عودة الموظفين إلى المكتب مع الالتزام بالتطبيقات الصارمة ما زالت تثير مخاوف جديدة تتعلق بالتحكم ومراقبة الأداء، خاصةً بين الموظفين ذوي الرواتب.
من الضروري فهم السياق الاقتصادي الذي يرافق هذه التحولات في سياسات العمل. تشير التوجهات إلى وجود ضغوط اقتصادية، حيث تتجه الشركات نحو تقليل النفقات وزيادة الإنتاجية في ظل التراجع الاقتصادي. كما أن النمو المتسارع للذكاء الاصطناعي يشير إلى إعادة تخصيص الموارد لدى الشركات. وبالتزامن مع هذه التغييرات، يبرز قلق متزايد من قِبَل المديرين حول عدم القدرة على قياس فعالية العمل عند عدم وجود الموظفين في المكتب.
الأدوات مثل نظام HID OmniKey، الذي يجمع بين أجهزة الاستشعار والرصد عن بعد، تعكس كيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة لمراقبة حركة الموظفين وإشغالهم في المباني المكتبية. ومع ازدياد رغبة الشركات في تحسين كفاءة المساحات المكتبية، أصبح من الشائع استخدام تقنيات متقدمة لمراقبة الحضور، وفي بعض الحالات، تصنيف سلوك الأفراد. لذا، يتمثل التحدي الرئيسي في تحقيق التوازن بين الاستفادة من هذه التقنيات وضمان حقوق العمال وخصوصيتهم.
توسيع نطاق مراقبة العمال: تحديات وجدوى
يمثل توسيع نطاق مراقبة العمال تحولًا كبيرًا في كيفية تفاعل الشركات مع موظفيها. يُظهر تقرير Cracked Labs أن هناك اهتمامًا متزايدًا في تحليل سلوك العمال داخل المكاتب من خلال رواتب متنوعة من المستشعرات والتقنيات المتقدمة. تتضمن هذه التقنيات القدرة على متابعة حركة الموظفين، وجودهم في مكاتب معينة، بل وحتى توفير بيانات عن البيئة المحيطة مثل الحرارة والرطوبة والإضاءة.
على الرغم من الفوائد المحتملة لمراقبة المساحات واستخدام التكنولوجيا لتحسين الإنتاجية، تظهر المخاوف من إمكانية الاستخدام المفرط لهذه البيانات. إذا قُدمت هذه البيانات تحت ستار تحسين الأداء وزيادة الكفاءة، قد ينتهي الأمر إلى انتهاك الخصوصيات الشخصية للموظفين. التركيز على مراقبة الأداء بدلاً من تعزيز ثقافة الثقة بين الموظفين والإدارة يُعتبر خطوة غير آمنة ومقلقة.
تجسد تكنولوجيا مثل Cisco Spaces مثالًا على كيفية تحول البيانات الكبيرة إلى أداة للرصد. يُعتبر نظام Spaces مرنة ويتضمن وظائف مثل جدولة الاجتماعات، تحليل مستويات التشغيل، ورصد سلوك الأفراد. ولكن، من المهم أن تعتمد الشركات الضوابط التي تضمن أن البيانات التي يتم جمعها تُستخدم فقط لأغراض محددة؛ وإلا، فقد نشهد شعورًا متزايدًا بالمراقبة وعدم الثقة بين الموظفين، مما يؤثر بدوره على الرضا الوظيفي والإنتاجية.
في جوهر الأمر، يعني استخدام التكنولوجيا بطريقة تتجاوز الغرض منها التقليدي الوصول إلى مناطق محفوفة بالمخاطر. يمكن أن تؤدي التطبيقات التي تسلط الضوء على جوانب معينة من أداء الموظف إلى تجريم عملية طبيعية تعتمد على الثقة والتفاعل البشري. لذلك، فإن المقياس الرئيسي يجب أن يكون الالتزام بأخلاقيات العمل وفهم تأثير السياسات المفروضة على رفاهية الموظف وتجربته داخل مكان العمل.
أهمية وضوح السياسات وحقوق العمال
في عالم العمل، يكاد يكون الوضوح الشفاف في السياسات المتبعة أمرًا حاسمًا. مع الانتشار المتزايد لتكنولوجيا مراقبة العمال، يصبح من الضروري أن تتمتع الشركات باستراتيجية واضحة وشفافة فيما يتعلق بكيفية استخدام البيانات وكيفية مراقبتها. يجب أن تُشرح للعاملين كيف ولماذا يتم جمع البيانات، ما هي التطبيقات المستندة إليه، ومتى يتم استخدامها لضمان تفهم جيد لهم.
يُعتبر إنشاء السياسات الفعالة جزءًا أساسيًا من توفير بيئة عمل آمنة ومستدامة وموثوقة. ينبغي أن تكون هذه السياسات مصممة لحماية خصوصية الموظفين، بينما في نفس الوقت تمكن الإدارة من تحقيق أهدافها بكفاءة. يمكن أن يؤدي غياب الشفافية إلى فقدان الثقة بين الموظفين وإدارة المؤسسة، مما في النهاية يؤثر بدرجة كبيرة على إنتاجية العمل.
علاوة على ذلك، يجب أن تكون هناك إجراءات قانونية واضحة لحماية حقوق الموظفين في حال تجاوزت الإدارة الحدود في استخدام المعلومات التي تم جمعها. فمراعاة الخصوصية الشخصي وحق الأفراد في حماية بياناتهم أمر يكتسب أهمية خاصة في عصر الخدمات الرقمية والمراقبة المتزايدة. الشركات التي تستطيع تقديم مزيد من الأمن والوضوح ستتعرض لتحديات أقل على مستوى الالتزام والتوافق مع القوانين المحلية والدولية المتعلقة بحماية البيانات.
في النهاية، يجب أن يضم النقاش عن مراقبة الموظفين بمشاركة العمال أنفسهم. النقاشات حول ما يدور في مكان العمل يجب أن تُجرى بشكل يضمن تبادل الآراء بشكل شفاف. عدم السماح للموظفين بالمشاركة في صياغة السياسات سيؤدي إلى انعدام الفهم والوعي بالأدوات المستخدمة في رصدهم، مما يعني استمرار القلق والخوف داخل بيئات العمل.
تتبع مواقع العاملين في بيئة العمل
تكنولوجيا تتبع المواقع الداخلية تستند إلى شبكات الواي فاي قد تكون مفيدة للشركات، ولكن لها تداعيات خطيرة على الخصوصية وحقوق العاملين. تستخدم العديد من الشركات الكبرى مثل Cisco وJuniper أنظمة تتبع قادرة على تحديد مواقع الموظفين والأجهزة المرتبطة بهم عبر خرائط زمنية حقيقية، ما يتيح لهم جمع بيانات مفصلة عن سلوك العاملين وحركاتهم داخل مكان العمل. هذا النوع من التتبع، بالرغم من كونه مبتكرًا، يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية على المناخ الوظيفي، ويحتمل أن يُستخدم كوسيلة للتحكم والمراقبة بشكل مفرط. على سبيل المثال، يمكن استخدام البيانات المتجمعة لمراجعة سلوك العاملين والتأكد من التزامهم بالقواعد، لكن هذا يثير مخاوف قانونية تستدعي ضرورة وجود آليات واضحة ومشاركة للعاملين في تحليل هذه البيانات.
المسؤولية الأخلاقية للتكنولوجيا في بيئة العمل
مع تزايد استخدام التكنولوجيا لمراقبة الأداء والإنتاجية، تبرز مسؤولية الشركات التكنولوجية في ضمان استخدامها بشكل أخلاقي. يدعو بعض الخبراء مثل Christl إلى وضع إجراءات واضحة لحماية حقوق العاملين، مثلاً أن يكون ممثل العمال موجودًا أثناء مراجعة البيانات السلوكية لتقليل مخاطر الاستخدام غير المسؤول. هذا يشير إلى ضرورة وجود توازن بين الاستفادة من التكنولوجيا لتحقيق الإنتاجية وبين حماية الخصوصية الفردية. يعتبر ما يحدث في أماكن العمل أشبه بما يحدث في أنظمة المراقبة العامة، حيث تتم مراقبة كل حركة وسلوك، ما يمكن أن يؤدي إلى خلق جو من الشك وعدم الثقة.
أهمية الثقة في علاقات العمل
الثقة عنصر أساسي في العلاقة بين الموظفين والإدارة. التكنولوجيا التي تركز على المراقبة بشكل مفرط يمكن أن تؤدي إلى تآكل هذه الثقة، مما يؤثر سلبًا على الروح المعنوية والإنتاجية. بحث أجرته CIPD يظهر أن المراقبة المبالغ فيها يمكن أن تساهم في تدهور معنويات العاملين وزيادة مستويات التوتر والقلق. وعلى الشركات الاستثمار في تدريب القادة لضمان توفير بيئة عمل داعمة وواقعية تكون فيها توقعات الموظفين معقولة. هذا يعزز من ولاء الموظفين ويشجع على تحسين الإنتاجية دون الحاجة للاعتماد على أدوات مراقبة متطفلة.
تحديات قياس الأداء والإنتاجية
تحديد الأداء والإنتاجية في بيئات العمل التي تتطلب تفاعلًا إنسانيًا معقدًا يمثل تحديًا كبيرًا. بعض الأنظمة التي تقيس الإنتاجية بناءً على البيانات الصلبة، مثل الوقت الذي يقضيه الموظف في المهام المختلفة، يمكن أن تكون غير دقيقة. في المجالات الصحية، على سبيل المثال، تتطلب إدارة الوقت مرونة أكبر، حيث يتعين على الممرضين ومديري رعاية المرضى التعامل مع مواقف غير متوقعة وتعاطف مع حالات إنسانية. استخدام التكنولوجيا لمراقبة مثل هذه الوظائف قد يعطي انطباعًا زائفًا عن الأداء ويؤدي إلى إجهاد الموظفين. يتطلب العمل العلاجي فهمًا عميقًا لحالة المرضى وتوفير الوقت اللازم للتفاعل البشري، وهو ما لا يمكن قياسه بدقة بواسطة أنظمة الآلات.
التشريع وحماية خصوصية العاملين
الافتقار إلى تشريعات فدرالية واضحة في الولايات المتحدة فيما يتعلق بحقوق الخصوصية في أماكن العمل يجعل الوضع أكثر تعقيدًا. بينما توفر بعض الولايات مثل نيويورك وإلينوي حماية قوية للخصوصية، لا يزال هناك حاجة ملحة إلى وجود قواعد وطنية تضمن الحقوق الأساسية لكل العاملين. في المقابل، العديد من دول أوروبا لديها تشريعات صارمة تحكم مراقبة العمال. على سبيل المثال، يعالج القانون الأوروبي شواغل الخصوصية بشكل شامل، حيث يتطلب إشعاراً وموافقة العاملين قبل القيام بأي نوع من المراقبة. من المهم تشجيع المناقشات حول كيفية تشديد القوانين لتحسين حماية العاملين وحقوقهم في كل من القطاع العام والخاص.
مراقبة العمال وحقوق الخصوصية
تعتبر إدارة المعلومات والمعطيات (ICO) من السلطات الرقابية المهمة التي تراقب استخدام تقنيات التعرف على الوجه وأنظمة بصمات الأصابع لمتابعة وقت الحضور والانصراف للموظفين. في الآونة الأخيرة، أمرت ICO بوقف استخدام هذه الأنظمة من قبل العديد من الشركات مثل “شوب ووركس”، التي كانت تهدف إلى تتبع 2000 موظف في 38 مركز ترفيهي في جميع أنحاء البلاد. أدى ذلك إلى مراجعة الشركات الأخرى لتقنيات مشابهة أو إلغائها بالكامل، كما فعلت “فيرجن أكتيف” التي سحبت أنظمة مراقبة بيومترية في أكثر من 30 موقعًا. في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من عدم وجود حقوق شاملة للخصوصية، فإن الاحتجاجات العمالية وتنظيم النقابات والتغطية الإعلامية يمكن أن توفر حماية ضد بعض أنواع المراقبة في أماكن العمل.
تساهم النقابات مثل “الاتحاد الدولي للعاملين في الخدمات” في الضغط من أجل قوانين تحمي حقوق العمال من الخوارزميات الغامضة التي تحدد سرعة الإنتاج. وبالفعل، في ديسمبر، ألغت شركة “بوينغ” برنامجًا تجريبيًا لمراقبة الموظفين في مكاتبها في ميسوري وواشنطن، والذي اعتمد على أنظمة استشعار الحركة بالأشعة تحت الحمراء وكاميرات “فيو سينسور”. جاءت هذه الخطوة بعد تسريب عرض تقديمي داخلي لطريقة تتبع شغل المكاتب من قبل أحد موظفي الشركة.
تظهر هذه التغيرات مدى أهمية تنظيم الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا، خاصة في مجالات مثل مراقبة الأداء. ومع ازدياد التركيز على المراقبة، هناك مخاوف حول كيفية تأثير ذلك على بيئة العمل وحقوق الموظفين عند استخدام مثل هذه التقنيات بشكل مفرط.
التكنولوجيا في بيئة العمل: الآثار والردود
تعتبر تقنية استشعار الحركة تحت المكاتب مثالًا واضحًا على هذا الجدل حول مدخلات تكنولوجيا المراقبة. في خريف 2022، قام طلاب في جامعة “نورث إيسترن” بقرصنة وإزالة أجهزة استشعار تحت المكاتب من إنتاج “إن أوشن”، والتي كانت تهدف إلى قياس “وجود الأشخاص” و”عدد الأشخاص”. كما أُبلغ الطلاب أن هذه الأجهزة كانت ستستخدم مع نظام “سباسيت” لتحسين استخدام المكاتب. في هذا السياق، يعكس رد فعل الطلاب القوي مدى السخط العام من التصور بأن الرقابة يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على خصوصيتهم وتجربتهم الجامعية.
تتجلى هذه الممارسات أيضًا في أماكن العمل التقليدية، مثلما حدث في بنك باركليز حيث حصلت احتجاجات عنيفة ضد أجهزة تتبع الوقت التي استخدمتها الشركة. على الرغم من الردود السلبية، واجهت باركليز غرامة قدرها 1.1 مليار دولار من ICO بعد اكتشاف استخدامها لبرنامج مراقبة الموظفين من شركة “سابينس”، والذي كان لديه القدرة على تتبع الموظفين بشكل فردي.
يظهر فشل هذه الأنظمة وتحذير الموظفين إلى الحاجة الملحة إلى مراجعة استخدام التكنولوجيا في العمل. إن الحفاظ على توازن صحي بين متطلبات الأداء وحقوق العمال يعد أمرًا ضروريًا لضمان بيئة عمل آمنة ومنتجة.
التاريخ الثقافي والأخلاقي للعمل
تشير رائدة الفلسفة الاجتماعية إليزابيث أندرسون في كتابها “خطف” إلى أن ثقافة مراقبة أماكن العمل ليست ظاهرة جديدة، بل لها جذور تاريخية تعود إلى القرن السادس عشر والسابع عشر. فقد آمن الناس في تلك الفترات بمفهوم “أخلاقيات العمل” التي كانت تدعو إلى العمل الدؤوب وتجنب إضاعة الوقت. من خلال نفس المنظور، على مدى القرون، تطورت هذه القيم إلى نوع من الثقافة التي ترى في الوقت الذي يُعد أهم عنصر إنتاج.
الجانب المثير للاهتمام هو أن هذه الأخلاقيات لا تقتصر فقط على العمل الجاد، بل تم تقدير حقوق العمال. لقد كان هناك اعتراف بأن واجبات أصحاب العمل تجاه موظفيهم تشمل دفع الأجور الكافية وتوفير ظروف عمل آمنة وصحية. إلا أنه بمرور الوقت، فقدت هذه القيم الاجتماعية والتوازن في العلاقات بين العمال وأرباب العمل من أهميتها.
كانت المفاهيم البيروتينية تعزز التعامل العادل مع العمال، وهو ما يتعارض مع النظرة الحالية التي تركز على قياس الإنتاجية دون النظر إلى الآثار النفسية والاجتماعية. من المهم العمل على تعزيز القيم الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي واستعادتها لضمان التوازن الصحي بين حقوق العمل ومتطلبات السوق.
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً