يشهد الاقتصاد الفلسطيني أزمة خانقة تعتبر من بين الأسوأ في تاريخه الحديث، متأثرةً بشكلٍ مباشر بالعدوان الإسرائيلي الذي بدأ في السابع من أكتوبر 2023. حيث أظهرت التقديرات الأخيرة لمركز الإحصاء الفلسطيني انخفاضًا حادًا في الناتج المحلي، يصل إلى نسبة الثلث، عائدًا إلى السياسات الاحتلالية التي تهدف إلى خنق الاقتصاد الوطني وإضعاف مقدراته. في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل الآثار المدمرة للاعتداءات الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني، بدءًا من انهيار القطاعات الحيوية مثل التجارة والبناء، وصولاً إلى إجراءات القمع الاقتصادي التي أدت إلى موجة غير مسبوقة من البطالة. كذلك، سنتناول استراتيجيات الاحتلال التي تستهدف العمال الفلسطينيين وتكثيف القيود على حركتهم التجارية، في سياق شامل يسلط الضوء على محاولة إسرائيل المستمرة لفرض واقع جديد على الأراضي المحتلة.
الانهيار الاقتصادي الفلسطيني وتأثير العدوان الإسرائيلي
يشير الوضع الاقتصادي الفلسطيني إلى انهيار كارثي شهدته الأراضي الفلسطينية منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023. تعد النتائج المحزنة لهذه الأحداث نتيجة لسياسات الاحتلال الممنهجة التي تهدف إلى إنهاء الوجود الفلسطيني عبر أساليب عدة، منها الممارسات الاقتصادية التي تقود إلى المزيد من الضغوط على المجتمع الفلسطيني. وفقًا للتقديرات الأخيرة لمركز الإحصاء الفلسطيني، فقد سجل الاقتصاد الفلسطيني تراجعًا حادًا بنسبة الثلث مقارنة بالوضع قبل العدوان، مما يعكس الحالة الحرجة التي تمر بها القطاعات الاقتصادية المختلفة. تتضمن هذه السياسة استخدام أسلحة اقتصادية متمثلة في خنق الفلسطينيين اقتصاديًا وإدخالهم في أزمات متلاحقة. على سبيل المثال، يتمثل أحد الأبعاد الرئيسية في المماطلة في توريد مستحقات السلطة الوطنية، مما يجعلها عاجزة عن دفع مستحقات موظفيها. عدا عن ذلك، تساهم القيود المفروضة على الحرية في الحركة والتجارة بشكل كبير في تدهور الاقتصاد الفلسطيني.
تشير التقارير الصادرة عن البنك الدولي إلى تراجع القطاعات الحيوية في الضفة الغربية بنسب تتراوح بين 22% و42%، مما يدل على مدى تأثير الحرب على الحركتين التجارية والخدمية. الخسائر في قطاع البناء، والتي تجاوزت 42%، تمثل تحديًا كبيرًا للبنية التحتية الفلسطينية المحلّية، مما يعيق جهود التنمية والتقدم. كما أن العواقب المستمرة لهذه السياسات تشمل تجاوزات إسرائيلية مستمرة ضد حقوق الفلسطينيين الاقتصادية والاجتماعية.
الممارسات الإسرائيلية وأثرها على القطاعات الاقتصادية الفلسطينية
تواصل إسرائيل اتباع سياسات صارمة تهدف إلى تعزيز سيادتها الاقتصادية على الأراضي الفلسطينية، مما أدى إلى تآكل الهياكل التحتية والمقومات الأساسية للمعيشة. من هذه الممارسات، الاقتطاعات المستمرة من أموال المقاصة التي تُدرج تحت مخصصات قطاع غزة، والتي تجاوزت 2.83 مليار شيقل منذ بدء الحرب، تشكل أداة ضغط اقتصادية محفوفة بالعواقب. حيث يمثل المتوسط الشهري للاقتطاعات البالغ 257 مليون شيكل نصيبًا كبيرًا من الإيرادات المحتجزة من السلطة الوطنية، مما أدى إلى انكماش كبير في القدرة الشرائية للمجتمع الفلسطيني.
ابتكرت الحكومة الإسرائيلية أساليب مختلفة لمحاصرة العمالة الفلسطينية، وذلك عبر تقليص عدد العمال الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي من 177,000 إلى 27,000 عامل، مما زاد من معدلات البطالة بصورة غير مسبوقة. سجلت معدلات البطالة ارتفاعًا حادًا، حيث بلغت 80% في قطاع غزة و35% في الضفة الغربية، مما يشير إلى تداعيات كارثية للعوامل الاقتصادية على المجتمع ككل. إن فقدان أكثر من 1.5 مليار شيكل شهريًا من تدفق الأموال يؤثر سلبًا على العائلات الفلسطينية ويزيد الضغط على الاستقرار الاجتماعي.
قيود الحركة وتأثير الحواجز على الاقتصاد الفلسطيني
الشبكة المعقدة من الحواجز والعوائق التي وضعتها السلطات الإسرائيلية تلعب ميزانًا كبيرًا في تعميق الأزمة الاقتصادية الفلسطينية. يبلغ عدد الحواجز في الضفة الغربية حوالي 793 حاجزًا، مما يؤثر بشكل كبير على حركة الأشخاص والبضائع. هذه الحواجز لا تعطل فقط حركة المرور، بل تؤدي إلى انخفاض مستوى الحياة اليومية للفلسطينيين، حيث يستغرق عبورهم للحواجز وقتًا طويلاً ويزيد من تكاليف النقل. التواجد المستمر لهذه الحواجز يجعل الوصول إلى الأسواق والموارد الأساسية مسألة في غاية الصعوبة، مما يسهم في تصاعد أزمة البطالة والفقر.
لا يقتصر الأمر على الحواجز فقط، فالجدار الفاصل يمثل تحديًا آخر، حيث يمتد داخل الضفة الغربية، مما يؤدي إلى تجزئة الجغرافيا الفلسطينية. إن هذا الجدار يعيق الوصول إلى الأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى خسائر فادحة في دخل المزارعين الذين يعتمدون على محاصيلهم لتحقيق سبل عيشهم. تشير الأرقام إلى أن 150 مجتمعًا يملكون أراضي محاصرة بالجدار، مما يؤدي إلى فقدان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية الأساسية. وبالإضافة إلى ذلك، تزايدت الصعوبات في الوصول إلى الأسواق بسبب القيود على التنقل، مما زاد من تعقيد الأمور الاقتصادية الصعبة التي تواجهها الأسر الفلسطينية.
استراتيجيات الاحتلال لتعزيز السيطرة الاقتصادية
تستمر إسرائيل في تنفيذ استراتيجيات متعددة تهدف إلى تعزيز سيطرتها على القوى العاملة الفلسطينية وعلى الاقتصاد ككل. هذه الاستراتيجيات تتضمن توظيف الفلسطينيين في أعمال ذات أجور متدنية والتركيز على القطاعات التي تضمن عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي. من خلال ضمان التوظيف في مجالات الزراعة والبناء، تسعى إسرائيل إلى خلق اعتماد طويل الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، مما يعيق نمو الاقتصاد الفلسطيني المستقل. كما تُشكل المستوطنات غير القانونية جزءًا من هذه الاستراتيجيات، حيث تؤدي إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية وتدمير المزارع المحلية، مما يعمل على تقليل الفرص الاقتصادية للفلسطينيين بشكل مستمر.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر عقوبات العمل وسحب تصاريح العمل كأدوات تؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الفلسطيني بشكل مباشر. عند انتهاء حاجة السوق الإسرائيلي إلى العمالة الفلسطينية، يتم سحب تصاريح العمل، مما يجبرهم على العودة إلى ما تبقى من اقتصاد محلي يتعرض أصلاً لانتكاسات وتحديات متكررة. وبالتالي، يمكن القول أن هذه السياسات تمثل جزءًا من الجهود الممنهجة لمحو الوجود الفلسطيني من مجالات العمل والاقتصاد، مما يعكس الإصرار على تدمير أسس الحياة الفلسطينية في كل جوانبها.
التداعيات الإنسانية للأزمة الاقتصادية على المجتمع الفلسطيني
لم تعد تداعيات الأزمة الاقتصادية محصورة في المجالات الاقتصادية فقط، حيث تُظهر الأرقام كيف أن تأثير العدوان الإسرائيلي وضغوط الاحتلال على الاقتصاد قد أدت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والاجتماعية بشكل غير مسبوق. مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، يواجه العديد من الفلسطينيين صعوبات كبيرة في تأمين احتياجاتهم الأساسية.
تتسبب الأوضاع الحالية في تفشي مشاعر اليأس والإحباط بين الفلسطينيين، حيث تتلاشى الآمال في العثور على فرص عمل أو مستقبل أفضل. تعتمد العائلات بشكل متزايد على المعونات، مما يؤثر سلبًا على مستوى التعليم والصحة. فقد أفاد عدد من المنظمات الإنسانية بأن نسبة كبيرة من الأطفال الفلسطينيين تتعرض لنقص في التغذية، مما يضعهم في خطر تعرضهم لمشاكل صحية حادة قد تؤثر على نموهم وتطورهم بشكل عام.
تعاني المدارس من نقص في الموارد، مما يعيق التعليم الجيد للأطفال ويزيد من نسبة التسرب المدرسي. التوتر الاجتماعي نتيجة لهذه الضغوط الاقتصادية قد يؤدي إلى تزايد الاحتجاجات والمظاهرات، مما يعيق جهود المجتمع الدولي نحو تحقيق السلام والاستقرار. وهذا يعني أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية الحالية لن تؤدي فقط إلى أزمة إنسانية، بل قد تفاقم من مشاكل الأمن والاستقرار على المدى الطويل.
رابط المصدر: https://www.spa.gov.sa/N2272303
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً