في جبال الهيمالايا النيبالية، تتصارع الثعالب الثلجية من أجل البقاء بين فكي فقر المجتمعات المحلية التي تواجه غزواتها على الماشية، حيث تتسبب في خسائر فادحة لمربي المواشي. في ظل هذه التحديات، برزت مجموعة من النساء النيباليات بمبادرة مبتكرة تهدف إلى إنقاذ كلي الطرفين: الماشية المفترسة والثعالب الثلجية. في هذا المقال، سوف نستعرض قصة “رينشين لاما” وكيف جعلت هذه النساء القويات الحياة أكثر أمانًا من خلال إنشاء حظائر محصنة ضد الثعالب، مع التركيز على أهمية دور النساء في جهود الحفاظ على البيئة وتحسين سبل العيش. سيتناول المقال كيف يمكن للتعاون المحلي والابتكار أن يساهم في تحقيق توازن بين حماية الأنواع المهددة وضمان استدامة المجتمعات الريفية.
التحديات التي تواجه الفهود الثلجية في نيبال
تعتبر الفهود الثلجية واحدة من الحيوانات البرية الأكثر غموضًا وجمالًا، والتي تعيش في المناطق الجبلية العالية في نيبال، حيث تجسد تلك المناطق بيئة طبيعية صعبة. وقد أظهرت الأبحاث أن عدد الفهود الثلجية في العالم يتراوح بين 2,700 إلى 3,300 فرد، مع وجود تقديرات تتجاوز 7,000. تعيش هذه الحيوانات عادةً على ارتفاعات تتراوح بين 3,000 إلى 5,000 متر فوق مستوى سطح البحر، وهي تعتبر الحيوانات المفترسة العليا في بيئاتها. للأسف، يتعرض هذا النوع لخطر الانقراض بسبب تراجع أعداد فريستها البرية، مثل الغزال الأزرق والبيكا، مما يجبر الفهود على مهاجمة الحيوانات المنزلية. هذه الديناميكية تثير الصراع بين المجتمعات المحلية والفهود الثلجية، فالكثير من الفلاحين، الذين يعتمدون على مواشيهم في كسب لقمة العيش، يعانون من خسائر كبيرة نتيجة هجمات هذه الفهود.
يعيش الفلاحون في مناطق نيبالية مثل دولبا، حيث تغلب الفقر وانخفاض خصوبة التربة، ممّا يزيد من التوتر بين الفلاحين والفهود. حيث يسرد أحد المزارعين، رينشين، كيف فقد 37 من الأغنام والماعز بسبب هجوم لفهود ثلجية في ليلة واحدة، وكذلك خسر حصانه في هجوم آخر. لم يعد أمام الفلاحين سوى الانتقام من الفهود من خلال قتلها، مما يهدد بقاء هذا النوع. وقد أظهرت الدراسات أن ما بين 221 إلى 450 فهد ثلجي يُقتل سنويًا، وغالبًا ما يكون ذلك بدافع الانتقام. بدلاً من ذلك، يحتاج الوضع إلى توازن يمكن أن يفيد الفلاحين والفهود على حد سواء.
الابتكارات المحلية لحفظ الفهود الثلجية
تعتبر الحركة لإنقاذ الفهود الثلجية في نيبال خطوة ضرورية تحتاج إلى دعم المجتمعات المحلية. العمل الذي تقوم به ناشطة الحفظ تسهيرينغ لامو، بالتعاون مع النساء في القرى، يظهر كيف يمكن للمجتمعات أن تلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على الحياة البرية. تمكنت لامو من تطوير حلول بسيطة وفعالة لحماية الماشية من هجمات الفهود الثلجية، مما يساعد في تقليل الخسائر الاقتصادية وزيادة الوعي بين السكان.
تتمثل إحدى الحلول التي تم تنفيذها في تقديم الأضواء الخارجية التي تعمل بالطاقة الشمسية والفوانيس، حيث يتم تثبيتها على الأعمدة بالقرب من حظائر الماشية. تعمل الأضواء الملونة على ردع الفهود في الليل. على الرغم من أن هذه الحلول قد تكون مفيدة على المدى القصير، إلا أنه يجب التفكير في حلول دائمة أكثر فعالية، حيث يتعلم الفهود الثلجية في نهاية المطاف كيفية تجاهل الأضواء.
استنادًا إلى خبرات سابقة في مناطق مختلفة، قامت لامو وفريقها بتصميم بناء حظائر محصنة ضد الفهود الثلجية من خلال استخدام مواد محلية مثل الحجارة، وذلك استجابةً لتعليقات المجتمعات المحلية حول العوامل المناخية وتأثيرها على تقنية البناء. تعتبر هذه الحظائر محصنة ضد الفهود، حيث تسهم النسوة في بناء هذه الهياكل، مما يمنحهم دوراً فعالًا في الحفظ.
تمثل هذه النجاحات في بناء حظائر محصنة مصدر إلهام لما يمكن تحقيقه من خلال العمل المجتمعي، كما أن هناك أمثلة ناجحة من مناطق أخرى على مستوى العالم، مثل حديقة هيميس الوطنية في الهند ومشاريع مماثلة في منغوليا، حيث أدت التحسينات في تصميم حظائر الماشية الى خفض حوادث هجمات الفهود. وهذا يوضح كيف يمكن تحويل الصراعات إلى فرص للحفاظ على الحياة الطبيعية.
أهمية التعليم والمشاركة المجتمعية
يحتاج مشروع حماية الفهود الثلجية إلى دمج التعليم وزيادة الوعي حول أهمية حماية الحياة البرية ضمن المجتمع المحلي. التعليم هو عنصر أساسي في تغيير المفاهيم القديمة وتعزيز فهم القضايا المتعلقة بالحفاظ على الفهود الثلجية. يجب أن تكون البرامج التعليمية مستهدفة بطريقة تناسب احتياجات المجتمعات المحلية وتفسر بنجاح فوائد الحفاظ على البيئة.
تجارب مختلفة حول العالم تشير إلى ضرورة تفعيل مشاركات المجتمع المحلي في القضايا البيئية. فعندما تشعر المجتمعات بفوائد الحفاظ على الفهود الثلجية، من خلال تحسين سبل العيش وحماية مواشيهم، فإنها ستصبح أكثر دعمًا للمحافظين على البيئة. أيضًا، تشجع النموذج الذي يعتمد على تطوير القدرات المحلية للمشاركة في مشاريع الحفظ. تحتاج المجتمعات إلى أن تكون في قلب الحلول، حيث يمكنهم استخدام التقنيات التقليدية والمعرفة المحلية لحماية حيواناتهم ومواشيهم. الفلاحون في دولبا وجميع المناطق المحيطة بحاجة إلى التوعية بأنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة وأن الموارد، حتى البسيطة منها، يمكن أن تكون فعالة.
إذًا، إن مستقبل الفهود الثلجية يتوقف على بناء جسور التعاون بين المجتمعات المحلية والمحافظين على البيئة. من خلال تعليم المجتمعات وتزويدها بالموارد الفعالة، يمكن التخفيف من أحداث الصراع وتحقيق التوازن بين حماية الحياة البرية وسبل الحياة. المشاريع التي تركز على المشاركة المجتمعية ليست مجرد أساليب لحماية الحيوانات، بل هي استراتيجيات طويلة الأمد لتمكين الأفراد والمجتمعات من حماية مواردهم الطبيعية مع تحقيق التنمية المستدامة.
دور السياحة في حماية النمور الثلجية
تعتبر السياحة البيئية أحد العوامل الرئيسية في تعزيز جهود حماية الأنواع المهددة بالانقراض، ومن بينها النمور الثلجية. يتحدث تشرينغ عن تجربتها في استخدام السياحة لجعل المجتمع المحلي في منطقة دولبا، النيبالية، أكثر وعياً وفهمًا لأهمية حماية النمور الثلجية. السياحة ليست مجرد وسيلة لجذب الزوار، بل هي أيضًا فرصة لتعزيز الدخل المحلي وتحسين العلاقات بين الإنسان والبيئة. على سبيل المثال، من خلال جولة “Snow Leopard Journey”، يمكن للمجتمعات المحلية أن تشعر بالملكية تجاه الموارد الطبيعية المحيطة بها، مما يؤدي إلى تقليل أعمال القتل الانتقامية للنمور. إذ أن استثمار جزء من أرباح السياحة في مشاريع حماية النمور يعزز من الحوافز المحلية للاحتفاظ بهذه الأنواع. الفكرة هنا هي أن يصبح المجتمع بحاجة لحماية النمور الثلجية لأنها تعود عليهم بالفائدة.
تحديات المشاركة النسائية في مبادرات الحفظ
على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز دور النساء في مشاريع الحفظ، فإن نسبة مشاركتهن في مجالات معينة لا تزال منخفضة. تشير أبحاث إلى أن نسبة الأمية بين النساء في المناطق التي تعمل فيها تشيرينغ تصل إلى 37-40%، مما يجعل من الصعب عليهن الانخراط في المبادرات الاقتصادية. تعتبر النساء في المجتمعات الرعوية كنوزاً من المعرفة الخاصة، ولديهن تأثيرات حاسمة على إدارة الماشية واستخدام الموارد الطبيعية. تشدد جستين شانتي ألكسندر، مديرة منظمة الحفظ العالمية “WCS Mongolia”، على أهمية تمكين النساء من تولي أدوار قيادية في مشاريع الحفظ، وأهمية دمجهن في المشاريع المحلية. فعندما تتاح الفرص للنساء، يمكن أن تتحسن نتائج الحفظ بشكل كبير، مما يؤدي إلى استدامة الأنواع والموارد الطبيعية. التحديات ليست فقط اقتصادية، بل تشمل أيضًا تقنيات التفكير التقليدية التي تتطلب تغييرات ثقافية متأصلة في المجتمع.
التأثير الاقتصادي للتنوع البيولوجي على المجتمع المحلي
يوضح البحث أن المجتمعات التي عانت من نفوق الماشية بسبب النمور الثلجية شهدت تحولاً اقتصادياً مهماً بعد أن انخرطت في السياحة. في منطقة هيمس، على سبيل المثال، يمكن للعائلات المضيفة استثمار ما بين 65,000 و 103,000 روبية هندية خلال موسم السياحة، وهو ما يزيد بثلاثة أضعاف عن أرباح تربية الماشية التي كانت لديهم سابقًا. الاستثمارات في السياحة ليست فقط حلًا اقتصاديًا، بل تساهم أيضًا في تغيير المفاهيم والتصورات حول النمور. فالزوار يساهمون في تغيير نظرة السكان المحليين لهذه الحيوانات من كونها تهديدًا إلى أنها مصدر دخل وفرص عمل. من خلال التوعية والتعليم، تبرز هذه العمليات فوائد جديدة للتنوع البيولوجي العابر للأجيال، مما يعكس أهمية المحافظة على النظم البيئية المحلية من أجل الأجيال القادمة.
استدامة مشروعات الحفظ والبيئة
بالرغم من التقدم الملحوظ، هناك تحديات مستمرة تهدد استدامة مشاريع الحفظ. على سبيل المثال، تشرينغ تخطط لإنشاء 11 حظيرة للحماية من الحيوانات المفترسة في مناطق النمور، ولكن عوائق النقل والتكلفة تمثل تحديات رئيسية. يعتمد نجاح المشاريع على وجود تمويل دولي مستدام، ومع عدم وجود موارد تدريب محلية، يصبح التمويل أداة حيوية. من المهم النظر إلى السياحة كوسيلة للحفاظ على البيئة، ولكن يجب تحقيق التوازن بين الأعداد القادمة من السياح واحتياجات النظام البيئي المحلي. يسير نجاح المبادرات حسب درجة تعاون المجتمع المحلي واستيعابه لأهمية الحفظ، وتطوير ثقافة إيجابية تجاه التنوع البيولوجي.
التوجهات المستقبلية في جهود الحفظ
في ضوء التقدم والتحديات، يبقى التركيز على طُرق مبتكرة يمكن أن تسهم في تعزيز فهم المجتمع المحلي لأهمية النمور الثلجية ودورها الحيوي في نظام البيئة. يتطلب الأمر منهجية شاملة تستند إلى مشاركة كافة أطراف المجتمع وشركاء الحفظ. يجب استغلال الدروس المستفادة من مبادرات سابقة لضمان الاستدامة ونجاح المشاريع المحلية. تشرينغ تستهدف العمل مع المجتمعات في مجالات تعليمية وتوعوية لتحقيق نتائج إيجابية. الطريق نحو الحفظ الفعال يتطلب بناء الثقة وكسب دعم المجتمع، حيث يصبح الأفراد مؤمنين بأهمية الحفظ من أجل مصلحتهم الاقتصادية والاجتماعية، مما يضمن بيئة مستدامة للنمور الثلجية والموارد الطبيعية الأخرى.
رابط المصدر: https://www.bbc.com/future/article/20250221-the-women-protecting-snow-leopards-in-remotest-nepal
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً