في أبريل من العام الماضي، رصدت بعثة “أينشتاين” الفضائية انفجارًا كونيًا قويًا ومثيرًا للدهشة، مما دفع العلماء إلى التعمق في دراسة هذا الحدث الغامض المعروف باسم EP240408A. في البداية، تم تفسير هذا الانفجار الطاقي العالي على أنه ناتج عن تصادم نجمين نيوترونيين أو وفاة نجم ضخم. لكن سرعان ما ظهرت فرضية جديدة تفيد بأن الحدث قد يكون نتيجة لثقب أسود ضخم يقوم بتمزيق نجم وابتلاعه في ما يعرف بظاهرة “الانهيار المدّي”. ومع ذلك، لا يتماشى EP240408A مع التوقعات المعتادة، مما أثار تساؤلات حول إمكانية كونه حدثًا كونيًا جديدًا وغير مألوف. في هذه المقالة، سنستعرض التفاصيل المحيرة حول هذا الانفجار الكوني وكيف يفتح أمامنا آفاقًا جديدة لفهم الظواهر الكونية الغامضة من خلال الأبحاث التي قام بها فريق دولي من علماء الفلك.
انفجار كوني غامض: فهم الظاهرة الجديدة
في أبريل من العام الماضي، قامت مركبة الفضاء المعروفة باسم “Einstein Probe” برصد انفجار كوني قوي للغاية، مما جذب انتباه علماء الفلك حول العالم. لقد تم تصنيف هذا الانفجار الغامض، الذي أُطلق عليه اسم EP240408A، كحدث يمكن أن يكون ناتجًا عن اصطدام نجمي حدث فيه كم هائل من الطاقة، أو نتيجة لنهاية حياة نجم ضخم. ومع ذلك، سرعان ما ظهرت فرضية جديدة تفيد بأن هذا الحدث قد يكون نتيجة تفاعل قوى الجاذبية الفائقة لثقب أسود هائل مع نجم، وهو ما يُعرف بحدث “التعطيل المداري” (Tidal Disruption Event – TDE).
ومما زاد من غموض هذا الانفجار أنه لم يتوافق، بشكل كامل، مع الخصائص المعروفة لهذه الظواهر الكونية. فقد أُشير إلى أن EP240408A لم يُظهر الأنماط المتوقعة من هذه الأحداث، مما فتح المجال أمام احتمال أن يكون هذا الانفجار نتيجة لنوع جديد من الظواهر الكونية. لذلك، قررت مجموعة دولية من الفلكيين متابعة هذا الحدث باستخدام مجموعة متنوعة من التلسكوبات لأغراض الرصد والرصد من الأرض.
قال أحد الباحثين، بريندان أوكونور من جامعة كارنيجي ميلون، إن “EP240408A يحقق بعض الخصائص التي تتوافق مع عدة أنواع مختلفة من الظواهر، لكنه لا يتوافق تمامًا مع أي منها. على نحو خاص، فإن مدة الانفجار القصيرة والسطوع العالي يصعب تفسيرها في سيناريوهات أخرى، مما يترك لنا احتمال رؤية شيء جديد تمامًا.” هذا الاستنتاج يقودنا إلى النظر في إمكانية أن يكون هذا الحدث ناتجًا عن “TDE مع نفاثات”.
ما هو حدث التعطيل المداري (TDE)؟
تحدث أحداث التعطيل المداري عندما يقترب نجم بشكل مفرط من ثقب أسود هائل موجود في مركز مجرة. تمتلك هذه الثقوب السوداء كتلة تُعادل ملايين بل مليارات مرات كتلة الشمس، مما يخلق تأثيرات جاذبية هائلة. يمكن القول إن هذه الجاذبية تعمل على تشويه شكل النجم الذي يقترب، مما يؤدي إلى عملية تُعرف باسم “التعفيت” أو “spaghettification”، حيث يتم دعم النجم وتطويله بشكل يشبه المعكرونة. هذه المرحلة الحرجة تلعب دورًا مهمًا في كيفية تفاعل المادة مع الثقب الأسود.
عندما يحدث التعطيل، لا يمكن للمادة المتبقية أن تسقط مباشرة نحو الثقب الأسود بسبب الزخم الزاوي. بدلاً من ذلك، تبدأ المادة باللف حول الثقب الأسود، مما يؤدي إلى تكوين ما يُعرف بـ “قرص التجميع” (accretion disk). هذا القرص يتكون من مادة النجم التي طالت وتمزقت، وتبدأ المادة في الاستقرار حول الثقب الأسود ببطء. وفي النهاية، يتم تناول تلك المادة من قبل الثقب الأسود، مما ينتج عنه كمية هائلة من الطاقة.
تُعتبر أحداث التعطيل المداري نادرة إلى حد ما، وقد قُدر عددها بحوالى 1% فقط من جميع الأحداث النجمية. وقد اقترح البحث الأخير أن أحداث TDE مع النفاثات قد تحدث عندما يكون هناك اختلال كبير في محور دوران الثقب الأسود ومستوى مدار النجم المُستهلك. هذا الاختلال يمكن أن يتسبب في ظهور نفاثات من الطاقة المبهرة، مما يعكس تفاعل معقد بين الجاذبية والمغناطيسية.
الإشعاعات الكونية: مقاربة الفهم من خلال رصد NASA
مع استمرار الأبحاث لتفكيك لغز الانفجار EP240408A، تأتي طائفة من التلسكوبات الخاصة بـNASA لدعم جهود رصد هذه الظواهر الغامضة. لقد ساهم تلسكوب “Nuclear Spectroscopic Telescope Array (NuSTAR)” و”Neutron star Interior Composition Explorer (NICER)” في تعزيز فهم الفلكيين حول الأحداث الكونية غير المسبوقة، بما في ذلك النفاثات الناتجة عن تدمير النجوم.
تمتاز هذه التلسكوبات بقدرتها على رصد الأشعة السينية، وهو نوع من الإشعاعات الكونية، مما يسهم في تحديد السرعة والدقة في قياس الخصائص الفيزيائية للأجرام السماوية. يقول Dheeraj Pasham، باحث من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT): “تتيح لنا قدرة NICER على توجيه واستكشاف مواقع متعددة في السماء مراقبة الظروف المحيطة بهذه الانفجارات الغامضة على مدار أسابيع، وهو ما كان له دور حاسم في فهم الأحداث الكونية الفريدة”.
تواصل الأبحاث والتجارب العلمية تسليط الضوء على الإمكانيات غير المستكشفة في الكوزموس، حيث يبقى EP240408A واحدًا من تلك الألغاز المثيرة للاهتمام. ومع محاولات فهم طبيعة هذه الأحداث، يتطلع الفلكيون إلى اكتشاف المزيد من الظواهر الغريبة والمعقدة التي يمكن أن تغذي معرفتنا حول الكون.
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً