في عالم يعاني فيه الكثيرون من تحديات فقدان الوزن، يشعر البعض بالإحباط بسبب عدم تحقيق النتائج المرجوة رغم اتباع أنظمة غذائية صارمة وممارسة الرياضة. وغالبًا ما نتجاهل العوامل الأكثر تعقيدًا التي تؤثر على عملية الأيض لدينا، حيث نميل إلى إلقاء اللوم على العوامل البيولوجية مثل بطء الأيض أو العوامل الوراثية. لكن ماذا عن الميكروبات التي تعيش في أمعائنا؟ يُعتقد أن هناك حوالي 39 تريليون بكتيريا تعيش في الجسم، ويشكل أداء هذه البكتيريا جزءًا كبيرًا من سلامتنا الصحية وقدرتها على فقدان الوزن. في هذا المقال، سوف نستكشف العلاقة المعقدة بين الميكروبيوم المعوي وفقدان الوزن، ونقدم نصائح عملية حول كيفية الاستفادة من هذه الميكروبات لتحسين نتائج فقدان الوزن. سنغوص في تفاصيل الخطوات الأساسية التي يمكن أن تساعد في تعزيز الميكروبيوم المعوي، وتوفير الأسس العلمية لتوثيق تلك الأبحاث الحديثة التي تشير إلى أن فقدان الوزن قد يكون أكثر من مجرد معركة بيولوجية، بل هو نتاج تفاعل متوازن بين العوامل الغذائية والميكروبية.
آثار علم الأحياء على فقدان الوزن
ينسب الكثيرون عدم نجاحهم في فقدان الوزن إلى العوامل البيولوجية مثل سرعة التمثيل الغذائي أو الوراثة. صحيح أن الجينات تؤثر على التفاعلات الأيضية، لكن يجب أيضًا مراعاة العوامل الأخرى المرتبطة بالصحة. حيث تحتوي أجسامنا على حوالي 39 تريليون بكتيريا، وهو عدد يعادل عدد خلايا الجسم، وتلعب هذه البكتيريا دورًا مهمًا في تحكم الوزن. فالميكروبيوتا، مجموعة الكائنات الدقيقة في جهازنا الهضمي، تؤثر بشكل كبير على الصحة. بالاعتماد على هذه البكتيريا، يمكن أن يساعد اتباع نظام غذائي مصمم خصيصًا في تحقيق أهداف فقدان الوزن.
في السنوات الأخيرة، أظهرت الأبحاث كيف أن فحص البكتيريا من خلال أخذ عينات من البراز يمكن أن تساعد في تحديد الأنماط الغذائية المناسبة لكل فرد. جزء من هذه الأبحاث تضمن دراسة PREDICT التي قامت بتحليل نمط التغذية وتأثيره على خطر الأمراض القلبية والتمثيل الغذائي من خلال بيانات دقيقة حول البكتيريا الموجودة في أمعائنا. أثبتت نتائج الدراسة أن التخصيص في التغذية أدى إلى تحسين مؤشرات مثل مستوى السكر في الدم، ومحيط الخصر، والوزن الجسم بشكل عام. معنى ذلك أن تغيير نظامنا الغذائي بناءً على تحاليل دقيقة يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في فقدان الوزن وتحسين الصحة العامة.
توسيع الدائرة الاجتماعية وتأثيرها على الميكروبيوتا
تعتبر الميكروبات جزءًا من كياننا، فنحن لا نكتسبها فقط من الطعام الذي نتناوله، بل أيضًا من تفاعلاتنا الاجتماعية. أبحاث حديثة تشير إلى أن الأفراد يشاركون جزءًا من ميكروباتهم غير المرغوب فيها أثناء التفاعل مع بعضهم البعض، وهو ما يعني أن التواصل الاجتماعي مع أفراد يعانون من الوزن الزائد قد يؤثر على تكوين الميكروبيوتا لدينا.
أظهرت دراسة أجريت على أكثر من 9,700 شخص أن الأشخاص الذين يعيشون معًا، سواء كانوا من عائلة أو أصدقاء، يشاركون نسبة من الأنواع الميكروبية، ويؤكد ذلك أن الأشخاص المتواجدين مع الشخص المصاب بالسمنة يمكن أن يحصلوا على نفس الميكروبيوتا. ومع ذلك، فإن التأثيرات الناتجة عن مشاركة الميكروبات لا تعني أن السمنة مرض معدٍ تمامًا، بل يجب أن نفكر بشكل شامل في تأثير نظام الحياة والتغذية. علاوة على ذلك، يبدو أن الارتباط بين الأفراد يؤثر أكثر على ميكروباتهم من وجود منبع جيني.
تنوع الميكروبيوتا وأثره على الصحة العامة
قد يكون من الصعب فقدان الدهون في الجسم، ولكن تشير الدراسات إلى أن خسارة الوزن يمكن أن تؤدي إلى تغيير في تكوين الميكروبيوتا في أمعائنا. أظهرت مراجعة شاملة للأبحاث أن المشاركين الذين فقدوا وزنًا أبدوا زيادة في تنوع الميكروبات في أمعائهم. تنوع الميكروبات هو أحد المؤشرات الحيوية لصحة الأمعاء. حيث اعتُبر وجود تنوع أكبر في الميكروبات في الجسم عاملاً مهمًا للحفاظ على غشاء الأمعاء سليمًا ومنع تسرب الكائنات الضارة من الأمعاء إلى مجرى الدم، مما قد يؤدي إلى الالتهابات والمشكلات الصحية الأخرى.
أحد الميكروبات المهمة التي أُثبت أنها تلعب دورًا كبيرًا في هذا التنوع هو Akkermansia muciniphila. هذه البكتيريا تخصب الطبقة المخاطية في جدران الأمعاء وتعمل على إنتاج سكريات تفيد الأنواع الأخرى وتعزز التنوع. عندما يعيش الجسم في بيئة ذات تنوع ميكروبي أكبر، يصبح لديه طاقة أكبر في مواجهة التحديات الصحية والنفسية للحفاظ على الصحة. لذا يعد فقدان بعض الكيلوغرامات من الوزن من خلال التغذية المدروسة إستراتيجية مثلى لتعزيز تنوع الميكروبات في الجهاز الهضمي.
فوائد البروبيوتيك وتأثيرها على صحة الأمعاء
تكتسب البروبيوتيك، مثل البكتيريا A. muciniphila، أهمية متزايدة في الأبحاث المتعلقة بصحة الأمعاء. تساهم هذه الكائنات الحية الدقيقة في تحفيز نشاط الأمعاء وتوازن الميكروبات المعوية. وفقًا لجمعية ISAPP العلمية، تُعرَّف البروبيوتيك بأنها “كائنات حية دقيقة، عند إدارتها بكميات كافية، تقدم فوائد صحية للمضيف.” ومع كثرة الإعلانات عن منتجات الأطعمة التي تدّعي أنها “صديقة للأمعاء”، لا يزال هناك جدل حول أية الأطعمة هي الأكثر فعالية. على الرغم من أن الدراسات تشير إلى فوائد عامة للبروبيوتيك في تقليل الوزن، إلا أنه لا يزال هناك عدم وضوح حول الأطعمة التي تحقق هذه الفوائد بشكل صحيح. بالمفاجئ، أظهرت الأبحاث أن البروتينات المستخلصة من البكتيريا الميتة تفيد بشكل أكبر في تحسين عملية التمثيل الغذائي للدهون والجلوكوز، مما يفتح آفاقًا جديدة لاستخدام البكتيريا المعالجة حراريًا كـ “ما بعد البروبيوتيك”.
التواصل بين الأمعاء والدماغ وتأثيره على الوزن
تشير الأبحاث إلى أهمية البكتيريا مثل A. muciniphila في تأثيرها على الدماغ وسلوكيات التغذية. حيث تقوم بعض الأنواع بتحليل الكربوهيدرات غير المهضومة لإنتاج أحماض دهنية قصيرة السلسلة، والتي تلعب دورًا حيويًا في تنظيم الشهية. تواصل هذه الأحماض في الجسم مع الخلايا المعوية مباشرةً، وبالتالي يمكن أن تؤثر على الإشارات الهرمونية التي تحفز الشعور بالجوع أو الشبع. على سبيل المثال، يمكن لجزيء الأسيتات أن يتجاوز حاجز الدم-الدماغ، مما يفعّل منطقة الهيبوثالاموس، المسؤولة عن تنظيم استهلاك الطعام. من خلال هذا الاتصال، يمكن العثور على علاقات بين الميكروبيوم والمخ، حيث أظهرت الدراسات أن البكتيريا لديها القدرة على السيطرة على الأفكار المتعلقة بالطعام، كما في التجارب مع الفئران التي أظهرت تغييرات في استهلاك السكر.
دور البروبيوتيك والبر بيكترين في تنظيم الوزن
حقق فريق البحث بقيادة د. هاريريت شيلكينز نجاحًا في استخدام البروبيوتيك Bifidobacterium longum APC1472 في تحقيق نتائج إيجابية؛ حيث أظهر في الفئران انخفاضًا في الدهون والوزن، وكذلك مستويات صحية من سكر الدم في البشر. يعود ذلك جزئيًا إلى فعالية هذا السلالة في إنتاج الأسيتات، مما يمنع وصول إشارات هرمون الجوع “غريلين” إلى الدماغ، وبالتالي التقليل من الجوع. يمكن تعزيز تطور البروبيوتيك عن طريق إمداد الجسم بأطعمة سكرية اختيارية تُعرف بالبريبيوتيك، مما يعد نهجًا فعّالًا لتحسين عملية التمثيل الغذائي والوزن.
المكونات الخفية للميكروبيوم وتأثير الفطريات والفيروسات
يشمل الميكروبيوم المعوي أيضًا مجموعة من الفطريات التي تلعب دورًا مهمًا في توازن الكائنات الحية الدقيقة. بينما تشكل البكتيريا الجزء الأكبر من الميكروبات في الأمعاء، فإن الفطريات، مثل Schizosaccharomyces pombe، لديها تأثيرات ملحوظة على الصحة. دراسات أظهرت أن الفطريات في الميكروبيوم قد تساعد في تنظيم الوزن، خاصة في الأفراد الذين يعانون من السمنة. بالإضافة إلى ذلك، الفيروسات التي تصيب البكتيريا (العاثيات) يمكن أن تلعب دورًا في مكافحة الكائنات الحية الدقيقة الضارة. تشير الأبحاث إلى أن نقل المجتمع الفيروسي من المتبرعين النحيفين إلى الفئران البدينة يمكن أن يساعد في تقليل زيادة الوزن وتحسين نمو البكتيريا الجيدة، ما يوضح أهمية هذا الجانب المخفي من الميكروبيوم العادي.
التجارب السريرية والأبحاث المستقبلية
تتصاعد أهمية التجارب السريرية والعلمية في فهم تأثير الميكروبيوم على الوزن والصحة العامة. تحتاج الكثير من الفرضيات إلى مزيد من البحث لدعم الاستنتاجات المتعلقة بأفضل تناول للأغذية للمساعدة في الوقاية من السمنة. يمكن أن يفتح هذا الباب لتطوير تحاليل دقيقة وأدوية تستند إلى الميكروبيوم تعزز من القدرة على التحكم في الوزن وتحقيق التوازن الصحي. إذا تمكّن الباحثون من تحديد الفيروسات والبكتيريا المثلى لتحقيق النتائج المرجوة، فإن ذلك يمكن أن يحدث ثورة في مجال التغذية والعلاج الغذائي. في نهاية الأمر، الميكروبيوم ليس مجرد مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة، بل يشتمل على علاقة تفاعلية مع أجسامنا، وبذلك يشكل جزءًا أساسيًا من جهاز المناعة والتوازن البيولوجي للجسم. من خلال أكبر مجهود في فهم الميكروبيوم، يمكن أن نحدث تغييرات جذرية في حياتنا اليومية ونحقق أهدافنا الصحية.
رابط المصدر: https://www.sciencefocus.com/the-human-body/microbiome-weight-loss
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً