على مدار أكثر من قرن، أشغل موضوع الأبعاد الخفية العلماء، حيث يتساءلون عما إذا كانت هناك أبعاد مكروية تؤثر على الفيزياء في عالمنا ثلاثي الأبعاد. رغم السنوات الطويلة من البحث التجريبي، لا يزال البحث عن أدلة ملموسة على هذه الأبعاد جاريًا. ومع ذلك، أظهرت دراسة حديثة توجهًا جديدًا لاستخدام تجربة “ديب أندرغراوند نيوترينو إكسبيريمنت” (DUNE) لكشف النقاب عن هذه الأبعاد الغامضة من خلال سلوك النيوترينوات، تلك الجسيمات التي تُعد من أصعب الجسيمات في الكون. سوف نستعرض في هذا المقال كيف يمكن لدراسة النيوترينوات خلال تجربة DUNE أن تكشف عن الأبعاد الخفية وتساهم في فهمنا لمكونات الكون ومعيرة الوجود المادي.
البحث عن الأبعاد الخفية في الكون
لطالما شغلت فكرة الأبعاد الخفية العلماء لعقود من الزمن، حيث امتدت هذه الأفكار لتشمل نظريات علمية متقدمة ومحاولات للتوصل إلى أدلة تجريبية تدعم وجود هذه الأبعاد. يسعى العديد من الباحثين في مجال الفيزياء إلى فهم كيفية تأثير الأبعاد الخفية على الفيزياء التقليدية التي نعرفها في العالم ثلاثي الأبعاد. بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت خلال السنوات السابقة، لم يتمكن الباحثون من تقديم دلائل ملموسة تدعم فرضية وجود هذه الأبعاد الإضافية. يحاول الباحثون في الآونة الأخيرة استخدام تجربة جديدة، تُعرف بتجربة “Deep Underground Neutrino Experiment” أو “DUNE”، للكشف عن هذه الأبعاد المجهولة من خلال دراسة سلوك نيوترينوات فيزيائية.
إن النيوترينوات هي جزيئات مرعبة تم وصفها بأنها جزيئات “شبح” بسبب طبيعتها الهاربة وعدم تفاعلها بشكل قوي مع الجسيمات الأخرى. تم التعرف على ثلاثة أنواع معروفة من النيوترينوات، وكل نوع له كتلة أقل بكثير من كتلة الإلكترون. واحدة من الخصائص المثيرة للاهتمام للنيوترينوات هي قدرتها على التحول، أو التذبذب، من نوع إلى آخر أثناء سفرها عبر الفضاء، مما يُمكِّن العلماء من استخدامها كوسيلة لفحص الأبعاد الخفية.
تجربة DUNE ودورها في دراسة النيوترينوات
تجربة DUNE عبارة عن تجربة لاستكشاف تذبذبات النيوترينوات وتُجرى في ولاية إلينوي وجنوب داكوتا. في هذه التجربة، تُنتج النيوترينوات بواسطة مسرّع الجزيئات في فيرميلاب، ثم تسافر على مسافة تُقدّر بـ1300 كيلومتر قبل أن تُرصد بواسطة جهاز كشف تحت الأرض في ولاية داكوتا الجنوبية. من المتوقع أن تتحول بعض هذه النيوترينوات من نوع الشحنة الموحدة إلى أنواع أخرى مثل النيوترينوات ذات الشحنة الكهربائية والنيوترينوات من نوع تاو أثناء سفرها.
تسعى تجربة DUNE إلى فك بعض الأسئلة الأساسية في فيزياء النيوترينوات، مثل تسلسل الكتل الخاصة بالنيوترينوات والشروط الدقيقة التي تحكم تذبذباتها. يُحاكي هذا الطرح السؤال حول كيفية تكوّن توازن المادة والمادة المضادة في الكون، وهو اختبار محوري يمكن أن يؤدي إلى اكتشافات جديدة ومعرفة أعمق عن بناء الكون.
كيف يمكن أن تؤثر الأبعاد الإضافية على تذبذبات النيوترينوات؟
إن الفكرة الأساسية التي تقدمها الأبعاد الإضافية هي أنه بجانب الأبعاد الثلاثة المعروفة، قد يكون هناك أبعاد مكهربة صغيرة جداً تؤثر على سلوك النيوترينوات. هذه الأبعاد، رغم ضآلتها، يمكن اعتبارها ذات تأثير كبير على تحول النيوترينوات. وقد بدءت دراسات هذه الظاهرة تأخذ شكل التجارب التي يمكن أن تُسهم في الكشف عن وجود أبعاد جديدة. حيث تشير الفرضيات القديمة، مثل تلك التي قدمتها اليكساندر أركاني هامت، ودييموبولوس، ودفالي، في عام 1998، إلى أن وجود أبعاد إضافية يمكن أن يساعد في تفسير تناقص الكتلة للنيوترينوات.
إذا كانت هذه الأبعاد موجودة، فمن الممكن اكتشاف وجودها من خلال دراسة التأثيرات التي تُحدثها على تذبذبات النيوترينوات. وقد تم وصف هذه التأثيرات بأنها قد تؤدي إلى تقليل دقيق للاحتمالات المتوقعة للتذبذب وإلى ظهور تذبذبات صغيرة “موجية” عند مستويات طاقة أعلى. هذه الدراسات سيكون لها أثر هام على فهمنا للأبعاد الإضافية.
محاكاة البيانات من تجربة DUNE
ضمن دراسة حديثة، تم إجراء محاكاة لبيانات النيوترينوات باستخدام نماذج حاسوبية لتقييم مدى قدرة تجربة DUNE على اكتشاف الأبعاد الإضافية. أُجري التحليل من خلال اختبار تأثير البُعد الإضافي على تذبذبات النيوترينوات وتحويلها عبر المادة المتواجدة داخل جهاز الكشف. هذه الزيادة في المعلومات ستساعد العلماء في تقديم فرضيات أقوى حول حجم هذه الأبعاد الإضافية وما إذا كانت موجودة بالفعل.
تشير البيانات إلى أن تجربة DUNE سيكون لديها القدرة على كشف بُعد إضافي إذا كان حجمه حوالي نصف ميكرون. بحلول عام 2030، من المتوقع أن تبدأ DUNE في جمع البيانات، وهو ما قد يؤدي إلى تقديم تحليلات أكثر دقيقة بعد سنوات من التشغيل. يتوقع الباحثون أن توفر البيانات الناتجة فهماً أعمق حول الدلالات الأساسية للأبعاد الإضافية وكيفية تأثيرها على فيزياء النيوترينوات.
آفاق البحث المستقبلي والتعاون بين التجارب المختلفة
في المستقبل، من الممكن أن تعزز بيانات DUNE القدرة على دراسة الأبعاد الإضافية من خلال دمج النتائج مع تجارب أخرى مثل تجارب المقذوفات أو الملاحظات الفلكية. ستعمل هذه البيانات المتكاملة على تحسين القدرة على فهم الخصائص الخاصة بالأبعاد الإضافية وما يمكن أن تعنيه بالنسبة للفيزياء كما نعرفها. إن البحث عن الأبعاد الإضافية لا يعد مجرد تحسينات في النماذج النظرية، ولكنه يمثل أيضًا فرصة للتوصل إلى اكتشافات جديدة تعزز من فهمنا لعالم الفيزياء الكوني.كل هذه الجهود تعمل على تعزيز البحوث المعاصرة وتقديم آفاق أكثر وضوحًا حول الظواهر الطبيعية التي تحكم الكون.
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً