في نهاية القرن التاسع عشر، شهدت نيويورك بداية انقلاب كهربائي غير مسبوق، حيث أُضيئت أول منزل خاص في المدينة فقط بالطاقة الكهربائية. هذا الحدث، الذي وقع في 7 يونيو 1882، لم يكن مجرد تجربة منزليّة لتومس إديسون وزملائه، بل كان بداية لثورة في نظام الطاقة، جعلت من نيويورك مركزاً عالمياً للأفكار الجديدة حول استخدام الكهرباء في الحياة اليومية. من خلال استكشاف تجارب متنوعة وتحولات بصرية مثيرة، توضح هذه المقالة كيف أصبحت الكهرباء جزءاً لا يتجزأ من الحياة الحديثة، وتسلط الضوء على الصراعات والانتكاسات التي واجهتها مدينة نيويورك في سعيها نحو تكامل الطاقة الكهربائية. سنستعرض كيف انتقلت المدينة من الاعتماد على الغاز إلى الاعتماد الزهيد على الكهرباء، وما هي الرؤية المستقبلية للتحولات الحالية نحو الطاقة النظيفة.
تاريخ الكهرباء في نيويورك
بدأت قصة الكهرباء في نيويورك في أواخر القرن التاسع عشر، حيث كانت المدينة مسرحًا للتنافس بين العديد من المخترعين والشركات. في 7 يونيو 1882، تم تشغيل الأضواء في منزل يقع في ماديسون أفينيو، ليكون أول منزل خاص في نيويورك يتم إنارته بالكامل بالكهرباء. كانت تلك اللحظة تعبيرًا عن حلم مبتكر الكهرباء توماس إديسون، الذي عمل مع فريقه لتركيب الأسلاك في جدران المنزل الذي يمتلكه المصرفي الشهير جي بي مورغان. تم تثبيت 385 مصباح ضوئي في جميع الغرف، مما أتاح للعائلة تجربة العيش في نور كهربائي متصل بمحطة توليد كهرباء تعتبر واحدة من الأول من نوعها على مستوى العالم.
كانت هذه البداية مجرد تجربة لإديسون، الذي كان يطمح إلى إقامة بنية تحتية كاملة لتزويد المدينة كلها بالكهرباء. على الرغم من أن الكهرباء كانت تعرف وتدرس لآلاف السنين، إلا أن استخدامها كمصدر طاقة قابل للتطبيق بدأ فعليًا في أواخر القرن التاسع عشر. أصبحت مدينة نيويورك مركزًا عالميًا للأفكار الجديدة حول كيفية استخدام الكهرباء في الحياة اليومية، وبدأت تجارب توصيل الأنظمة الكهربائية للجمهور. بدت الكهرباء في ذلك الوقت للكثيرين كفكرة غريبة، لكن اليوم نعتبرها من أبسط وأكثر الطرق فعالية لتخفيف انبعاثات الكربون.
الحرب الكهربائية: التيار المستمر مقابل التيار المتردد
في أواخر القرن التاسع عشر، شهدت نيويورك ما يعرف بـ “الحرب الكهربائية”، التي كانت تدور حول أي نظام كهربائي سيكون الأفضل: التيار المستمر (DC) الذي قدمه إديسون، أم التيار المتردد (AC) الذي اقترحه نيكولا تسلا. في ذلك الوقت، كان إديسون قد أنشأ محطة كهرباء أولى في شارع بيرل والتي كانت تعمل على نظام التيار المستمر. ومع ذلك، كان لهذا النظام قيود؛ حيث كان من الصعب نقل الكهرباء لمسافات طويلة دون أن تفقد كميات كبيرة منها.
اقترح تسلا استخدام نظام التيار المتردد، الذي كان بإمكانه نقل الطاقة على مسافات أبعد بكثير، مما يجعل فكرة إنشاء العديد من محطات التوليد الكهربائية غير ضرورية. لقد استندت فكرة تسلا إلى كفاءة التحويل بين مستويات الجهد، وهو ما مكنه من تأمين الكهرباء للمناطق الأكثر بعدًا. ومع ذلك، تجاهل إديسون اقتراح تسلا وركز على توسيع نظامه الخاص. لكن في النهاية، كانت فكرة تسلا هي التي أثبتت نجاحها، وأصبحت التيارات المترددة هي النظام السائد في شبكات الكهرباء الحديثة.
الكهرباء كبديل للغاز: التطورات الأولى
بناءً على رغبة المدينة في تحسين خدمات الإضاءة التي كانت تعتمد في الأساس على الغاز، كان هناك حاجة ملحة لتطوير نظام كهربائي فعال. كانت الإضاءة بالغاز، وهي نتيجة تسخين الفحم، لا تلبي احتياجات سكان نيويورك المتزايدة. ظهرت العديد من الشكاوى من المواطنين حول جودة الغاز والروائح الكريهة، مما دفع السياسيين إلى المطالبة بتغيير النظام. مع هذا الضغط الاجتماعي والاقتصادي، بدأ المهندسون والمخترعون في استكشاف فرص جديدة في استخدام الكهرباء.
في عام 1880، تم تدشين اختبارات لإضاءة الشوارع باستخدام مصابيح القوس، والتي كانت قادرة على إضاءة مساحات واسعة، ولكنها كانت غير مناسبة للاستخدام المنزلي بسبب سطوعها الشديد. كانت هذه العوامل قد وفرت خلفية ملائمة لتجارب شركات الكهرباء الجديدة التي بدأت في البحث عن نظام شحن كهربائي يمكنه تلبية احتياجات المدينة المتزايدة.
مستقبل الطاقة ونيويورك اليوم
تعتبر التطورات التي حدثت في نيويورك ضمن مجال الكهرباء اليوم جزءًا من التاريخ البيئي للمدينة. في قمة حديثة حول مستقبل الطاقة والاقتصاد في سيراكيوز، أشار حاكم نيويورك كاثي هوشول إلى أهمية الاستفادة من العمل الذي تم في مجال الكهرباء في القرن التاسع عشر. أبدى الحاكم فخره بالمكانة التي احتلتها نيويورك في السابق كمبتكر، مشيرًا إلى التحديات التي تواجه الدولة اليوم في ظل الحاجة إلى التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة.
تظهر تعليقات هوشول أهمية التاريخ في فهم التطورات المستقبلية. من خلال إحراز تقدم في الطاقة المتجددة، فإن نيويورك تواصل سعيها لتحسين نظام الطاقة لتحقيق الاستدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. تعتبر الذكاء الاصطناعي والابتكارات التكنولوجية الحديثة جزءًا لا يتجزأ من هذا التحول، حيث تتطلع المدينة إلى تعزيز كفاءة الطاقة وتوفير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات البيئية الحالية.
الحرب على التيارات الكهربائية: صراع إيدسون وتيسلا ووستينغهاوس
في أواخر القرن التاسع عشر، شهدت الولايات المتحدة صراعًا غير مسبوق تمثل في “حرب التيارات”، حيث واجه توماس إديسون، الذي كان يروج للتيار المستمر (DC)، نيكولا تيسلا وجورج وستينغهاوس، اللذين كانا advocates للتيار المتناوب (AC). ادّعى إديسون أن نظامه هو الأكثر أمانًا وكفاءة، بينما رأى تيسلا ووستينغهاوس أن النظام المتناوب له القدرة على نقل الطاقة لمسافات طويلة. كانت الحرب عبارة عن مجموعة من المحاكمات القانونية، التهديدات، والدعاية السلبية، حيث حاول إديسون تشويه سمعة التيار المتناوب من خلال نشر كتيبات تحذر من مخاطر استخدامه، وإجراء تجارب علنية على حيوانات مشردة لتأكيد خطر استخدامه. هذه الأفعال لم تفلح في إيقاف تقدم التيار المتناوب، الذي أثبت مع الزمن فعاليته وقدرته على تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة.
النجاحات المبكرة للتيار المتناوب
توجت جهود تيسلا ووستينغهاوس بفوز كبير خلال المعرض العالمي في شيكاغو عام 1893، حيث تم اختيارهم لتوفير الطاقة للحدث، وهو ما ساهم بشكل كبير في نشر الوعي بفعالية التيار المتناوب. كما حصلوا على عقد لتوليد الطاقة من محطة الطاقة الكهرومائية التي تم إنشاؤها على شلالات نياجرا، وهي أول محطة كهرومائية كبيرة في العالم. تستطيع هذه المحطة إنتاج 100,000 حصان من الكهرباء، وهو ما يعادل جميع المحطات الكهربائية التي كانت تعمل في ذلك الوقت في أمريكا. ومن خلال ذلك، أصبحت شلالات نياجرا محورًا رئيسيًا لتوليد الطاقة، مما مكّن من ربط مدينة بوفالو بالشبكة الكهربائية، لتصبح بذلك أول مدينة أمريكية تتمتع بإضاءة كهربائية واسعة النطاق.
الانتشار السريع للطاقة الكهربائية وتأثيرها على المجتمع
توسعت الكهرباء بشكل كبير خلال العقود التالية، حيث تمتد تغطيتها إلى المدن الكبرى وتصل إلى معظم المجتمعات. كانت البداية مع الشركات التجارية التي سعت لجذب الزبائن عبر الإضاءة الكهربائية، تلاها استخدام الكهرباء من قبل الأثرياء ودوائر الحكومة. بحلول عام 1899، أصبح بإمكان كل سكان مانهاتن الاتصال بشبكة الكهرباء، مما ساهم في تسهيل الحياة اليومية. إلا أن هذا الانتشار لم يكن مستوياً، حيث عانت المناطق الريفية من تباطؤ في الوصول إلى الكهرباء بسبب الكلفة والقيود التقنية. ومع ذلك، فإن التحول إلى الكهرباء كطاقة رئيسية لم يقتصر فقط على الإضاءة، بل بدأ يتوسع ليشمل استخدامات جديدة مثل المراوح الكهربائية والمكاوي، مما أهل المجتمع لتبني هذه التكنولوجيا بشكل أسرع.
التحديات الراهنة والنزعة نحو التحول للطاقة المتجددة
على الرغم من أن الكهرباء قد أصبحت السائدة في العديد من القطاعات، إلا أن الوقود الأحفوري لا يزال هو المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة، مما يطرح تحديات جديدة في ظل التغير المناخي. تواجه نيويورك، مثل العديد من الولايات الأخرى، خطوات تاريخية للتحول إلى الطاقة المتجددة، حيث أصدرت قوانين تهدف إلى حظر استخدام الغاز الطبيعي في المباني الجديدة خلال السنوات القليلة المقبلة. تستهدف ولاية نيويورك تحقيق 70% من طاقتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 85% مقارنة بمستويات عام 1990. قد يكون تحقيق هذه الأهداف صعبًا، لكن التزام الحكومة والمجتمع بالتحول للطاقة النظيفة يمثل خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استدامة.
أهمية الإلهام من التاريخ لرسم ملامح المستقبل
تمثل قصة إديسون وتيسلا ووستينغهاوس دليلاً على كيفية تشكيل الإبداع والتنافس التكنولوجي لمستقبل الطاقة. حيث تمثل تجاربهم تحديات كبيرة، إلا أنهم أصروا على تقديم حلول جديدة. تشير التصريحات الأخيرة لممثلي الحكومة إلى أهمية الاستفادة من تلك الروح الابتكارية لمواجهة التحديات المطلوبة حاليًا. إن التحول نحو اعتماد الطاقة المتجددة يتطلب التزامًا جماعيًا وأفكارًا مبتكرة لتحسين تقنيات الطاقة الحالية وضمان الاستدامة في المستقبل المنظور. في خضم التغير المناخي والبيئي، تبرز الحاجة إلى استلهام روح أنشطة الماضي وتطبيقها في صياغة سياسات جديدة تعزز الطاقة النظيفة وتدعم الابتكار في مختلف الصناعات.
رابط المصدر: https://www.bbc.com/future/article/20240923-the-feud-at-the-beginning-of-new-yorks-electricity
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً