في عام 2023، تسارعت وتيرة معركة غير مرئية وغير مقدرة، تدور في الفضاء الكهرومغناطيسي بين أوكرانيا وروسيا. هذه المعركة لا تقتصر فقط على الأسلحة التقليدية، بل تصل إلى مجالات مبتكرة من الحرب الإلكترونية، حيث يصبح التحكم بالإشارات والتشويش على أنظمة الاتصال من العوامل الحاسمة في تحقيق التفوق. في مطعم مريح في حي أوزوبيس في فVilnius، تتدلى لوحة تكرّم “القديسة EDM4S”، النظام المحمول لمكافحة الطائرات بدون طيار، الذي تم تزويد أوكرانيا به لعزل الطائرات غير المأهولة عن مشغليها. ستتناول هذه المقالة تطور الحرب الإلكترونية والأدوات التي تستخدمها أوكرانيا، وكيف تشهد الساحة الكهرومغناطيسية تحولات غير مسبوقة نتيجة الابتكارات السريعة والإبداعية. في زمن تتداخل فيه التكنولوجيا مع العسكرية، يبرز كيف أن أوكرانيا تتبنى استراتيجيات غير تقليدية لمواجهة خصمها، مما يغير مجرى الصراع بطرق لم يتوقعها كثيرون.
أسلحة الحرب الإلكترونية: EDM4S ودورها في النزاع الأوكراني
تتجسد الحرب الإلكترونية اليوم كأحد أبرز عوالم الصراع المعاصر، حيث تحدث مصادمات غير مرئية تُحيط بالشبكات اللاسلكية. من أهم الأسلحة المستخدمة في هذه المعركة EDM4S، وهو نظام حربي إلكتروني محمول يُستخدم للتعامل مع الطائرات المسيّرة. يتمكن صانع هذا النظام من تقويض الاتصالات بين الطائرات المسيّرة ومشغليها، مما يجعلها تسقط بدون أي تحكم. منذ بداية النزاع في أوكرانيا، تم تزويد أوكرانيا بالعشرات من هذه الأنظمة، مما يعكس الأهمية المتزايدة للسيطرة على الطيف الكهرومغناطيسي.
تُعتبر هذه الأدوات جزءاً من صراع أكبر بين أوكرانيا وروسيا للابتكار وتطوير استراتيجيات جديدة لمواجهة التهديدات. التكنولوجيا المتطورة هي ساحة قتال جديدة، حيث يتوجب على الأطراف المتصارعة تقييم أنظمتها الخاصة وتطويرها بموازاة الأعداء. حالة الحرب الحالية تلقي الضوء على تصورات جديدة حول كيفية تنفيذ الحروب، حيث يلعب كل من الابتكار والتكيف دوراً محورياً في مواجهة التحديات الميدانية.
تاريخ الحرب الإلكترونية وتطورها عبر الزمن
تعود جذور الحرب الإلكترونية إلى القرن العشرين، حيث بدأت تتخذ أشكالاً جديدة مع اندلاع الحرب العالمية الثانية. مثلما استخدم البريطانيون وسائل التضليل عبر الإشارات اللاسلكية لتحريف مسارات الطائرات الألمانية، شكلت تلك الخطوة بدايةً لأسلوب عسكري جديد من القتال. حيث أصبح استخدام البث الإشاري للتحكم في المجال الجوي والبحري أمرًا شائعًا. ومع تقدم التكنولوجيا، تطورت أيضًا وسائل الحرب الإلكترونية لتشمل الطائرات الخاصة والرادار والشبكات السلكية واللاسلكية.
بعد الحرب العالمية الثانية، استمرت أحداث صراع التصوير والإشارات بين حلف الناتو والاتحاد السوفيتي، حيث شهد الصراع المستمر تقنيات جديدة مثل الأنظمة الرقمية والتشفير المتقدم. خلال مرحلة الحرب الباردة، كانت هناك محاولات مستمرة من جانب كلى الطرفين للتفوق على الآخر في ساحة الحرب الإلكترونية، حيث غدا الأمر يتجاوز مجرد البث إلى استخدام التقنيات الحديثة مثل نظام الدفاع الذاتي والمراقبة.
اليوم، تتمتع الحرب الإلكترونية بتعقيدات كبيرة أكثر من أي وقت مضى، حيث تشمل نطاق واسع من الترددات وأنواع الإشارات، مما يسمح لكل طرف بتوسيع مناطق صراعه بطريقة غير متوقعة. صارت العمليات الحربية تعتمد بشكل كبير على إمكانية التواصل السريع الآمن بين الوحدات العسكرية، ما جعل التحكم في هذه التواصلات أمرًا حيويًا.
الاستراتيجيات الأوكرانية في مواجهة تفوق روسيا في الحرب الإلكترونية
في مواجهة فقدان القدرات العسكرية في بداية الصراع، اعتمدت أوكرانيا أساليب مبتكرة للتأقلم مع البيئة المتغيرة. تم اعتماد استراتيجيتين رئيسيتين: الأولى كانت تتمثل في إنتاج عدد كبير من نظم الحرب الإلكترونية بأسعار معقولة. والثانية، هي سرعة التكيف والابتكار في تطوير التقنيات المواجهة للتكنولوجيا الروسية.
نظام Bukovel-AD، وهو من الأسباب الرئيسية في تعزيز الأداء الأوكراني، يعتبر مثالاً على هذه المناورات. يمكن تثبيته بسهولة على سيارات البيك أب، مما يجعله مثاليًا للعمليات السريعة. كما برزت مع الشركة الأوكرانية Kvertus التي قامت بتصنيع 15 نوعًا مختلفًا من أنظمة مكافحة الطائرات المسيّرة في فترة زمنية قصيرة. تفرّق بين أساليبها في الإعاقة عبر تصميم معدات صغيرة قابلة للنقل، مما يمنح الجنود الأوكرانيين ميزة على الأرض.
التجارب والتعامل مع الواقع على الأرض يساعدان في تحسين الاستجابة الأوكرانية بشكل كبير. التواصل المباشر بين مطوري التكنولوجيا وعناصر الصفوف الأمامية كان له دور ممتاز في تقديم الحلول الحقيقية لمشاكل الأداء الفعلي على الأرض، مما أدى إلى تصنيع كميات ضخمة من الطائرات المسيّرة القصيرة والطويلة المدى. أصبحت هذه الابتكارات تكتسب استخدامات ميدانية حقيقية ومؤثرة، مما منح الأوكرانيين ميزة في ساحة الحرب.
التحديات المستقبلية للحرب الإلكترونية وتأثيرها على صراعات الغد
تُعتبر التقنيات الحديثة في الحرب الإلكترونية بمثابة تغيير جوهري في ميدان الحروب. تظهر التقنيات المبتكرة بشكل دوري، مما يزيد من تعقيد معايير القتال. ومع ذلك، فإن الصراع من أجل السيطرة على الطيف الكهرومغناطيسي سوف يستمر، خاصة مع استمرار الابتكارات في تقنيات اختراق الإشارات ومواجهتها.
تتمثل أكبر التحديات أمام الجيوش في الحفاظ على قوّتها الإلكترونية في مواجهة تطور التكنولوجيا. ومن الواضح أن هناك حربًا من نوع جديد بدأت تُبرز أهمية المهارات البشرية، حيث يتطلب التنسيق بين الأنظمة القائمة استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتقديم معلومات سريعة ودقيقة. هذه الأدوات تساعد الجيش على فهم البيئة المعلوماتية الموضوعة أمامه بشكل أفضل، والتكيف بسرعة أكبر مع أي تغيرات أو تهديدات جديدة تتواجد.
المستقبل قد يشهد تحولًا في كيفية إدراك القادة العسكريين للحرب الإلكترونية. فمع تزايد فرص البقاء لمواجهة التهديدات المتصاعدة، ينبغي أن يكون هناك وعي بأن النجاح في الحرب الحديثة لا يعتمد فقط على التحركات العمودية لأدوات الحرب، بل أيضًا على القدرة على فهم واستخدام الفضاء الإلكتروني بطرق تسمح بالابتكار المستمر، ما يسهم في تحسين التكتيكات العسكرية في الصراعات المقبلة.
الحرب الإلكترونية في أوكرانيا
منذ أكثر من عامين، تواجه أوكرانيا هجوماً عنيفاً من صواريخ وطائرات مسيرة وقنابل انزلاقية، حيث تم تجهيز جميع هذه الأسلحة بأنظمة اتصال ورادارات متطورة تهدف إلى تخطي أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية. وبوجه خاص، تم تمييز الطائرات المسيرة التي تم تصميمها في إيران، مثل طائرات “شاهد”، بقدرتها على المناورة في سماء أوكرانيا وبالتالي تشويش أنظمة الدفاع الجوي. للتصدي لهذا التهديد الجوي، طورت أوكرانيا نظام “بوكروفا”، وهو شبكة سرية من أنظمة الحرب الإلكترونية تم الكشف عنها في وقت سابق من هذا العام. وقد أشار أوليكساندر فدينكو، نائب رئيس لجنة البرلمان الأوكراني، إلى أن النظام يتكون من “مئات الآلاف من الأجهزة المنصوبة في جميع أنحاء البلاد”، مما يوفر لأوكرانيا درعاً إلكترونياً معقداً.
لا يقتصر دور نظام “بوكروفا” على تشويش أنظمة توجيه طائرات “شاهد” بل يتجاوز ذلك عبر إيهام هذه الطائرات بمواقع جديدة، مما يسمح للجنود الأوكرانيين بفحصها واستخلاص أجزاء مفيدة منها. قدمت أوكرانيا أدلة على نجاحاتها في خداع هذه الطائرات، بما في ذلك إرجاع أكثر من 100 طائرة إلى روسيا. تهدف هذه الجهود إلى تضييق الخناق على استراتيجيات العدو في استخدام الطائرات المسيرة، وفي الوقت نفسه تطوير صناعة الحرب الإلكترونية المحلية، ما أعطى أوكرانيا ميزة تنافسية قوية في مواجهة روسيا.
تطورات الدروع الجوية والتكيف مع تقنيات الحرب الإلكترونية
الحرب الإلكترونية ليست خالية من المخاطر، لكن التقنيات الحالية أثبتت أنها تقنية دفاعية واعدة عندما يتم دمجها مع أنظمة الدفاع الجوي التقليدية. فمن خلال شبكة “بوكروفا”، تمكنت أوكرانيا من مواجهة روسيا، التي كانت تعتبر ذات يوم صاحبة أقوى برمجيات الحرب الإلكترونية في العالم. تشير تقارير الخبراء إلى أن روسيا أيضاً طورت أساليبها في هذا المجال، مما أدى إلى تحول النزاع إلى لعبة “قط وفأر”، حيث تحاول كل جانب استباق تحركات الآخر.
من الناحية التكنولوجية، تمثل الطائرات المسيرة ذات التأثير المحدود مواجهة مباشرة للمساعي الروسية. يصف يوان، أحد المهندسين في ورشة طائرات مسيرة سرية في كييف، كيف يمكن لشريحة بسيطة مثبتة على طائرة مسيرة تقليل تأثير الحرب الإلكترونية للعدو من خلال تغيير ترددات الإشارة بشكل متكرر. إذا تمكن يوان من تحقيق هذا الاتجاه، فإن ذلك سيمكن الأوكرانيين من إبقاء طائراتهم في الجو لفترة أطول. تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين هذه الأنظمة، مما يزيد من الضغوط على القوات الروسية التي تحاول الكشف عن هذه التوجهات.
استراتيجيات الابتكار في الطائرات المسيرة والتوجهات الحديثة
مع الإخفاق في الاعتماد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، يبحث الأوكرانيون عن طرق بديلة للتوجيه. يبتكر ستيفان، أحد التنفيذيين في مجال الدفاع، طائرات مسيرة تستخدم كاميراتها لالتقاط صور حرارية للأرض، وتعتمد على “الرياضيات البحتة” لتأكيد مساراتها. الالتزام بالابتكار في أي خطة عسكرية يعكس حيوية الصناعات الوطنية بأي دولة، وهذا ما يفعله الأوكرانيون من خلال استخدامهم لاستراتيجيات متقدمة مثل خرائط التضاريس وأبراج الهواتف المحمولة لتوجيه طائراتهم بدقة، مشيرين إلى التاريخ في هذا المجال مثل صواريخ توماهوك الأمريكية.
يزداد التفكير الاستراتيجي في كيفية استخدام الطائرات المسيرة لاختراق مواقع العدو. ظهر تصميم جديد قد يتضمن أنظمة حرب إلكترونية تمكن الطائرات من إحداث خسائر كبيرة في نظم الرادار والدفاع الجوي الروسية، مما يعكس الابتكار المستدام في تطوير الدفاعات. وعلى الرغم من أن التقنيات الحديثة تعزز القدرة على جذب الطائرات الروسية، إلا أن التحدي يبقى في الحفاظ على السرية والابتكار لتجاوز الخطوات السلبية التي يمكن أن يتخذها العدو.
الابتكار والتعاون الدولي في مجال الحرب الإلكترونية
خرجت أوكرانيا من توازن الضعف إلى تحقيق التساوي التكنولوجي مع روسيا في مجال الحرب الإلكترونية، إلا أن التحديات تبقى قائمة. كتب الجنرال زالوجني، القائد السابق للقوات المسلحة الأوكرانية، ورقة تفيد بأن أوكرانيا بحاجة إلى تحقيق تفوق مشروط على الروس. يتطلب ذلك التركيز على الابتكار محلياً وتطوير شراكات دولية قوية. من ضمن هذه الشراكات، تقوم الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بعتاد ضخم، ولكنها لا تزال تحتفظ ببعض التكنولوجيا المتقدمة خوفاً من استخدامها ضد مصالحها الاستراتيجية.
قد يكون هناك تغيير طفيف في الوضع عندما حصلت أوكرانيا على مقاتلات F-16 الأمريكية، حيث تم تزويدها بأنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة. بالرغم من عدم كفاية مقاتلة واحدة لتحقيق السيطرة الجوية، إلا أن وجود مثل هذه الأنظمة يمكن أن يساعد في تحقيق التفوق على فترات قصير وتحقيق أهداف استراتيجية. تعكس هذه الديناميات التكامل بين الابتكار الداخلي والدعم الدولي الضروري لتعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا.
التحديات المستمرة في الحرب الإلكترونية والخطوات المستقبلية
الحرب الحديثة تتطلب جهداً مستمراً لاكتساب اليد العليا في المجالات التكنولوجية. النقاش الدائر حول كيفية تواصل اللاعبين في الساحة الدولية يجرى في ظل عدم الاستقرار مستقبلاً بسبب التكنولوجيا السريعة التطور وأبعادها غير المتوقعة. إن الحاجة إلى وضع استراتيجيات متقدمة لا تتوقف فحسب على تفوق الأسلحة المادية، بل على فهم كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل متقدم ومبتكر. تتطلب هذه الحرب الإلكترونية اليوم أكثر من مجرد الاعتماد على أنظمة معينة؛ تحتاج إلى قدرة على التطور والتكييف المستمر. من خلال التعاون مع الشركاء الدوليين مثل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، تستطيع أوكرانيا تحسين تقنياتها ووضع استراتيجيات جديدة تتماشى مع التطورات السريعة في ساحة الحرب الإلكترونية.
رابط المصدر: https://www.wired.com/story/electronic-warfare-russia-ukraine/
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً