في عالم الأنثروبولوجيا وعلم الآثار، تنكشف لنا بين الحين والآخر تفاصيل جديدة تُضيء جوانب غامضة من تاريخ البشرية. واحدة من هذه الاكتشافات المثيرة تتعلق بممارسة القربانية لدى حضارة الموتشي القديمة في بيرو. في دراسة حديثة، تم تحليل بقايا عُثر عليها في مقبرة تحت هرم يُعتبر من أبرز المعالم الأثرية في منطقة “إل برورو”، مما أتاح للباحثين فهمًا أعمق لتقاليد الجنازات وتعامل هذه الحضارة مع قرابتهم في الطقوس الروحية. سنتناول في هذا المقال كيف تم الكشف عن أسرار علاقة تكافلية مدهشة بين الأجيال داخل هذه المجتمعات وكيف أن بعض الأفراد كانوا ضحايا قربانية لأقاربهم، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم العادات الجنائزية والمعتقدات الدينية لدى الموتشي.
ثقافة الموت لدى موتش
ثقافة الموت لدى الموتش تعكس طبيعة عميقة وثرية من الممارسات الجنائزية التي كانت شائعة في المجتمع الإنديز, وتحديداً في منطقة ساحل بيرو بين 300 و950 ميلادي. تُظهر الأدلة الأثرية الكثير من النشاطات الرهيبة مثل تقديم القرابين البشرية كجزء من الطقوس الدينية. أحد الأمثلة البارزة لهذا هو الاكتشاف الأخير لرفات شخصيات من هذه الثقافة، حيث عُثر على جثث تضم أفراداً ذوي مكانة اجتماعية مرتفعة، مثل Señora de Cao. يعتبر هذا الاكتشاف مهماً لأنه يكشف عن الأبعاد الأسرية للقرابين البشرية، مما يناقض الفهم العام الذي كان يربط القرابين بشكل رئيسي مع الأضاحي العامة والممارسات العلنية.
تظهر الدراسات الجديدة أن هناك تقارباً جينياً كبيراً بين الأفراد الذين تم دفنهم معاً. حيث أُستنتج من تحليل الحمض النووي أن الفتى والمتوسطة الذين قُدما كقرابين كانا مرتبطين بشكل وثيق مع البالغين الذين دفنوا معهم. على سبيل المثال، تُظهر الأدلة الجينية أن الفتى الذي تم التضحية به كان ابناً لأحد الرجال المدفونين في نفس القبر، بينما ضحية طقوس الإذلال الأنثوية كانت وابنة الأخت للسيدة المرموقة، مما يعكس عبء الأسر المعقد الذي كان يسود هذه البنى الاجتماعية.
قد تكون هذه الطقوس انعكاسًا لتصورات عميقة حول الحياة والموت في ثقافة الموتش، حيث ارتبط تقديس الموتى بممارسات تشير إلى تواصل مستمر مع الأجداد واعتقاد عميق بأن القرابين البشرية قد تؤمن للميت سبل الراحة في العالم الآخر، وتعكس الأمور الروحية أو الدينية للمجتمع. إن فهم هذه الديناميكيات يساعد في توضيح كيف أن الموت والممارسات الجنائزية كانت تتداخل بشكل وثيق مع الحياة اليومية والدينية للمجتمع.
عملية التحليل الجيني واكتشاف الأسر القرابية
البحوث الحديثة التي أجريت ضمن دراسة التحليل الجيني في المنطقة الأثرية Huaca Cao Viejo قدمت رؤى جديدة حول الروابط الأسرية بين الأفراد المدفونين هناك. هذا البحث كان مثيرًا نظرًا لأن التحليل الجيني تم ربطه بممارسات الجنائز الأكثر شيوعاً، والتي عادة ما كانت تتعلق بتضحيات بشريّة حيث كان يُعتَبَر أن تقديم الأشخاص ذوي المكانة الاجتماعية المرتفعة يساهم في تعزيز الطقوس الدينية.
استخدم الباحثون تقنيات مثل تأريخ الكربون والحمض النووي لفحص ما لا يقل عن ستة من الهياكل الجسدية التي تم العثور عليها في المقبرة، والتي تعود إلى فترة ماضية تتجاوز 1500 عام. عبر تحليل الجينوم، تم وضع شجرة عائلية بين الأفراد، مما ساعد في جلاء الصورة وتقديم فهم أوضح للأسر القرابية المعقدة.
من خلال الدراسات، استنتج الباحثون أن أحد الذين ذُكِروا في القرابين كان قريبا جداً من المُضحّي، حيث كان ابناً لأحد الرجال المدفونين. هذا المفهوم يهدينا إلى فكرة كيف أن تشكيل الأسر والعائلات ولمّ شملها كان جزءاً زمنياً مهماً ضمن القيم الثقافية والطبية للمجتمع. وهذا يعني أن عملية التضحية كانت تُعتبر جزءاً من تكامل الأسرة وتقاليدها حتى في الموت، مما يعكس قيم متعددة مثل الحب، الفخر، والسلطة الاجتماعية.
التقاليد الدينية والرمزية في طقوس التضحية
تعكس طقوس التضحية الإنسانية لدى موتش مجموعة من الرموز الدينية والمعاني الروحية الخاصة بهذه الثقافة. من المعروف أن الموت يعتبر مرحلة حيوية في دورة الحياة، وتعتبر القرابين وسيلة لإرضاء الآلهة وتأمين حماية الأفراد وأسرهم. لكن ما يظهر من الأبحاث الأخيرة هو كيف أن هذه التضحية لم تكن مجرد شعائر تقام بعيداً عن الحياة اليومية، بل كانت مرتبطة عميقاً بالعلاقات الأسرية والجهود المحكمة لتبرير هذا النوع من الممارسات.
تأخذ التضحية بأشكال مختلفة، وفي حالة موتش نجد أن هذه الطقوس تضمنت تقديم البشر، مما يشير إلى أن هؤلاء الأفراد الذين وُزِّعوا بين عائلاتهم ربما كان لهم مكانة خاصة في نفوس الأحياء ومدى ارتباطهم الحميم بمراتهم السابقة. تُظهر الأدلة الأثرية أن التضحية كانت تُعتبر وسائل لإقامة تواصل مستدام بين الأحياء والموتى، وهذا يظهر أهمية العقيدة الروحية التي كانت تحرك هذه الممارسات.
على العكس من التقاليد العامة والنمطية للتضحية، فإن التضحيات التي تميزت باستهداف أفراد العائلة نفسها تعكس غيرها من المرحمين، وتعطي دلالات عن التعقيد الذي يكتنف الحياة الاجتماعية لهذه الثقافة. فهذا النوع من التضحية يربط بين البقاء العائلي والروحي، ويصور كيف يمكن للمتعاطفين أن يدخلوا في مسار طويل يصور معاناتهم ومنظومة القيم التي كان يتبناها هؤلاء الأفراد في إطار مجتمعهم.
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً