تغيرات هيكل الأمعاء أثناء الحمل والرضاعة لزيادة امتصاص العناصر الغذائية

في دراسة حديثة نشرت في مجلة “نيتشر”، يكشف الباحثون عن تحولات مثيرة تحدث في الأمعاء الدقيقة خلال فترتي الحمل والإرضاع. فبينما يعرف الجميع أن جسم المرأة يتغير بشكل ملحوظ في الحمل، مثل توسع الثدي وزيادة معدل ضربات القلب، تشير الأبحاث الجديدة إلى أن تكوين الأمعاء أيضاً يتطور بشكل كبير. تم رصد أن الزوائد الدقيقة المسماة “الزغابات” في بطانة الأمعاء قد تضاعفت في الحجم، مما يحتمل أن يساعد الأمهات على امتصاص المزيد من العناصر الغذائية الضرورية لتنمية الأطفال. يستعرض هذا المقال نتائج هذه الدراسة ويدعو لمزيد من البحث لفهم تأثير هذه التغييرات على صحة الأمهات والأطفال.

تغيرات الأمعاء خلال الحمل والرضاعة

أظهرت الأبحاث الأخيرة أن الأمعاء لدى الأمهات تتكيف بشكل كبير خلال فترات الحمل والرضاعة، حيث يزداد حجم البطانة الداخلية للأمعاء، المعروفة بالإبيتيليوم، إلى الضعف تقريبًا. هذه التغييرات يمكن أن تسهم في تحسين مناعة الأمهات وقدرتها على امتصاص المواد الغذائية الضرورية لتطوير الجنين. يتطلب الحمل زيادة كبيرة في استهلاك العناصر الغذائية، وهذه التغييرات التقنية في الأمعاء قد تساعد الأمهات على تلبية هذه الحاجة. الطبيعة تُظهر مدى ذكاء الجسم البشري وقدرته على التكيف مع الظروف المختلفة، مما يسهل عملية توفير الغذاء للجنين الذي ينمو.

عندما نتحدث عن الفروق البيولوجية بين الحوامل وغير الحوامل، نجد أن جزءًا كبيرًا من التغيرات يحدث في الجهاز الهضمي. بالنسبة للأمهات، تصبح التغييرات التي تحدث خلال فترة الحمل والرضاعة جزءًا من عملية مهمة للحفاظ على صحة الطفل ونموه. بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسة إلى أهمية جزيء الإشارات المعروف باسم “RANK”، الذي يُعتقد أنه ينظم هذه التغييرات. في التجارب، أثبتت النتائج أن الأمعاء بدون هذا الجزيء لم تُظهر أي من التغييرات الهيكلية المطلوبة، مما يشير إلى دوره الحاسم في عملية النمو والتغذية. هذا يفتح آفاقًا جديدة لفهم كيف يمكن للجسم البشري تعديل نفسه وفقًا لمتطلبات النمو وتطوير العناصر الغذائية اللازمة لضمان صحة الأم والطفل.

دور الجزيئات في إشارات التكيف

دراسة الفريق البحثي، التي تسلط الضوء على جزيء RANK، تفتح المجال لفهم أعمق لكيفية استجابة الأنسجة للدوافع الهرمونية والبيئية. RANK لا يُوجد فقط في أنسجة الجسم المختلفة، بل يلعب أيضًا دورًا حيويًا في تنظيم نمو الغدد الثديية وإنتاج الحليب. هذا يعكس مدى ترابط الأنظمة الداخلية للجسم وكيف أن هرمونات الحمل تعزز من إنتاج هذا الجزيء لتعزيز التكيف مع الاحتياجات المتزايدة.

استفاد الباحثون من تقنيات حديثة في زراعة الأنسجة لتطوير نماذج ثلاثية الأبعاد من الأمعاء البشرية والفئران. كانت هذه الخطوة مبتكرة للغاية، حيث مكنت العلماء من رؤية كيفية استجابة الخلايا للأمور التي تُطرح عليها، مثل رده الفعل تجاه هرمونات الحمل أو نحو العوامل البيئية. التجارب أظهرت أن البروزات الشبيهة بالأصابع من الخلايا الظهارية تطيل وتتوسع عند وجود RANK، مما يعزز من قدرة الأمعاء على امتصاص العناصر الغذائية. هذه الآلية هي أسرار الجسم التي تُظهر تناسقًا بالغًا في تكيفه مع التغييرات الحياتية.

الآثار المحتملة على صحة الأمهات والأطفال

البحوث تضيف إلى المخزون المعرفي لدينا عن كيفية استجابة الجسم لاحتياجات الحمل، خاصة من خلال تأثير هذه التغيرات على القيمة الغذائية للحليب. الفئران التي لم يكن لديها مستوى كافٍ من جين RANK أنجبت رضعًا يعانون من نقص في الوزن، مما يشير إلى أن القدرة على توفير العناصر الغذائية اللازمة مهم بشكل حاسم لصحة الرضع. تجدر الإشارة إلى أن هذا الأثر لم يُفسر بالكامل بعد، ولكن النتائج توضح بشكل قاطع أن وجود RANK كان ضروريًا لتحسين جودة الحليب الناتج.

من هذا المنطلق، إن فهم كيفية تأثير هذه الجزيئات على التغذية وصحة الأمهات يمكن أن يساعد في تطوير استراتيجيات جديدة لدعم الأمهات والرضع. هذه الدراسات قد تؤدي في المستقبل القريب إلى تطوير علاجات جديدة للأمهات خلال فترة الحمل، وخاصة النساء اللواتي يواجهن صعوبات في إنتاج الحليب أو التغذية.

ما التالي في البحوث حول هذا المجال؟

يلقي الباحثون نظرة أعمق على كيفية تفاعل هذه العمليات الطبيعية مع العوامل الأخرى، مثل التغذية العامة للأمهات أو تأثير العوامل الوراثية على صحة الأمعاء. الأبحاث المستقبلية ستوضح ما إذا كان هناك عوامل إضافية، بجانب RANK، يمكن أن تسهم في تنظيم هذه التغيرات. فضلاً عن ذلك، فإن الاستقصاء في كيفية تأثر الأمعاء بهذه العوامل في النماذج البشرية سيكون خطوة مهمة في تطوير مفاهيم جديدة لتحسين مستويات الصحة العامة للوضع الحياتي للأمهات.

يعد هذا البحث بمثابة دعوة قوية لمجتمع البحث العلمي لتوجيه التركيز نحو فهم تأثير عمليات التكيف في الأمعاء على الصحة العامة للأمهات والرضع. فمع تقدم الأبحاث، قد نرى إمكانية تطوير تدخلات صحية تستهدف تحسين التغذية للأمهات، وهذا بدوره قد يحمل آثارًا إيجابية على نمو الأطفال وتطورهم الصحي.

رابط المصدر: https://www.livescience.com/health/fertility-pregnancy-birth/the-gut-remodels-itself-during-pregnancy-study-finds

تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent