تعيش الجزر الصغيرة المهددة بتغير المناخ في حالة من القلق المتزايد بسبب ارتفاع مستويات البحار والعواصف المدمرة، حيث تضطر هذه الجزر إلى اتخاذ تدابير قاسية وغير تقليدية لحماية نفسها. من بناء السدود البحرية إلى بيع الجنسيات، تواجه هذه الدول تحديات كبيرة في سبيل البقاء والازدهار. على مدى عقود، حذر العلماء من أن العديد من الجزر المنخفضة قد تختفي تحت الموج إذا لم تُتخذ إجراءات لمكافحة الانبعاثات. والواقع أن خمس جزر في جزر سليمان قد فقدت بالفعل تماماً بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، فيما تشهد العديد من الدول الجزرية الصغيرة خسائر اقتصادية كبيرة سنوياً نتيجة الفيضانات الساحلية. ومع اقتراب العالم من ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بمعدل 1.5 درجة مئوية، تزداد المخاوف والضغوط على هذه الدول. في هذا المقال، نستعرض التدابير التي تتخذها بعض الدول الجزرية لمواجهة هذه التحديات، والتحديات المالية والدبلوماسية التي تعترض طريقها على الساحتين المحلية والدولية.
تأثير التغير المناخي على الجزر الصغيرة
تعد الجزر الصغيرة من أكثر المناطق عرضة لتأثيرات التغير المناخي، حيث يشكل ارتفاع مستوى سطح البحر وازدياد العواصف تهديدًا حقيقيًا على وجود هذه الجزر. لقد حذر العلماء لعقود من الزمن من أن بعض الجزر المنخفضة قد تختفي بالكامل تحت الأمواج إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جدية لمكافحة الانبعاثات. ومن أمثلة ذلك، فقد تم فقدان خمس جزر في جزر سليمان، وهي دولة تتكون من مئات الجزر في جنوب المحيط الهادئ، بالكامل بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. هؤلاء السكان يعانون من خسائر اقتصادية سنوية كبيرة نتيجة الفيضانات الساحلية. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن تتضاعف الفيضانات الساحلية في هذه الدول، مما يؤدي إلى زيادة الأضرار الاقتصادية السنوية بمعدل يتراوح بين تسع إلى أحد عشر ضعفًا.
تمثل الجزر الصغيرة صوتًا قويًّا في المنتديات الدولية، حيث تدفع من أجل سياسات مناخية أكثر طموحًا وتعتبر جزءًا أساسيًا من اتفاق باريس لعام 2015، الذي يسعى للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. ولكن في الوقت نفسه، تواجه هذه الجزر خيارات صعبة للبقاء فوق الأمواج، سواء من الناحية المادية أو من خلال جهودها الدبلوماسية للحصول على التمويل في ظل مناخ يمتلئ بالشكوك.
خلال الجلسة الختامية لمؤتمر الأطراف COP29 في باكو، أذربيجان، أعرب توئولسولوسولو سيدريك شاستر، رئيس جزر ساموا، عن قلقه قائلاً: “الوقت ليس في صالحنا” ودعا إلى تنفيذ خطط مناخية طموحة. وأكد على ضرورة حصول الجزر الصغيرة على “تغيير تحويلي” في الوصول إلى المالية المناخية.
استراتيجيات الحماية: استصلاح الأراضي وبناء السدود
مع ارتفاع مستوى سطح البحر، تطورت عدة استراتيجيات للحماية. واحدة من الاستراتيجيات المشهورة هي إنشاء الأراضي الجديدة، كما هو الحال في جزر المالديف، التي تُعرف بأدنى ارتفاع في العالم. على مر العقود، عملت المالديف على مشروع ضخم لاستصلاح الأراضي، حيث تم استصلاح ما لا يقل عن 186 من جزرها البالغ عددها 1,149. تتضمن عملية استصلاح الأراضي حفر الرواسب من قاع المحيط لتمديد السواحل، ولكن هناك مخاوف علمية واجتماعية من التأثيرات البيئية الناتجة عن هذه الممارسات، وخاصة فيما يتعلق بالنظم الإيكولوجية الساحلية الطبيعية مثل الشعاب المرجانية والمستنقعات.
تشير الدراسات إلى أن معظم الجزر المأهولة في المالديف تُظهر “قدرة معدلة أو مدمرة على الاستجابة لضغوط المناخ”. بالإضافة إلى ذلك، فقد حذر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) من أن استصلاح الأراضي يمكن أن يصبح “حلقة مفرغة” للجزر، حيث يؤدي تدهور النظم البيئية إلى زيادة تعرض المجتمعات للخطر. يعتقد علي شريف، المبعوث الخاص للمالديف لتغير المناخ، أن استصلاح الأراضي ضرورة لتلبية احتياجات السكان المتزايدين.
ومع ذلك، تعتبر الجدران البحرية من أبرز الوسائل المستخدمة لحماية السواحل. توفر هذه الجدران فوائد مزدوجة، حيث تمنع انزلاق التربة وتحمي السواحل من الأمواج والفيضانات. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي الجدران البحرية غير السليمة البناء إلى نتائج عكسية. في جزر مثل سيشيل، يُلاحظ انتشار الجدران المكسورة، ما يشير إلى أهمية كل من التقييم السليم ورسم الاستراتيجيات الفعالة لحماية السواحل.
التضحية بالسيادة: بيع الجنسية كاستراتيجية للاستجابة
تظهر حالة دومينيكا مثالًا غريبًا على كيفية استجابة الدول الصغيرة للأزمة المتزايدة بسبب التغير المناخي. بعد تعرضها لتدمير هائل نتيجة إعصار ماريا في عام 2017، أعلنت دومينيكا عزمها على أن تكون “الدولة الأولى في العالم التي تتمتع بالقدرة على الصمود في وجه المناخ”. ومن بين الخطط التي وضعتها لمواجهة الأخطار، قام البلاد ببيع الجنسية كمصدر للتمويل. تضاعف سعر جواز السفر ليصل إلى 200,000 دولار عن طريق التبرع لصندوق التنمية الاقتصادية أو الاستثمار العقاري.
لكن اعتماد دومينيكا على برنامج الجنسية عن طريق الاستثمار أسفر عن مخاوف دولية بشأن الأمن، حيث تم سحب بعض الامتيازات المتعلقة بالتأشيرات من قبل المملكة المتحدة بسبب المخاطر المحتملة. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية تُعَد مصدر تمويل مهم، إلا أن الاستدامة طويلة الأجل تعتمد على قدرة الحكومة على إدارة تأثيرات هذه السياسات والتي تواجه تدقيقًا دوليًا متزايدًا.
تُظهر هذه السياسات الحاجة الملحة للدول النامية في الحصول على المزيد من التمويل لمواجهة تغير المناخ وتتحدث عن ضرورة تحقيق العدالة المناخية, إذ تحتاج هذه الدول إلى الدعم المالي لتقليل الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات التغير المناخي التي لا تتحمل مسؤوليتها بالنظر إلى أن معظم انبعاثات الكربون تأتي من الدول الصناعية الكبرى.
التحديات المالية وتأثيرها على الدول الجزرية الصغيرة
تتزايد الضغوط على الدول الجزرية الصغيرة بسبب التغير المناخي، حيث تتطلب هذه الدول دعماً مالياً هائلاً للتكيف مع آثار هذه التغيرات. في مؤتمر COP29، تم الإشارة إلى أن العديد من هذه الدول تشعر بالإحباط من بطء التقدم في المفاوضات المناخية التي تُجرى تحت رعاية الأمم المتحدة. وبالرغم من الوعود السابقة بتقديم مساعدات مالية، إلا أن المساعدات المستلمة لا تتناسب مع حجم الأضرار التي يتسبب فيها التغير المناخي. فقد طالب تحالف الدول الجزرية الصغيرة، المعروف بـ Aosis، بمبلغ 39 مليار دولار سنوياً لدعم هذه الدول في مواجهة آثار المناخ، إلا أن المبلغ المتفق عليه في نهاية المؤتمر كان أقل بكثير، حيث بلغ 300 مليار دولار فقط. هذا الفارق الكبير يعكس الشعور المتزايد بعدم العدالة من قبل الدول الأكثر تعرضاً لتغير المناخ، حيث أن الأعباء المالية تتجاوز قدرة هذه الدول على المواجهة.
الصوت المفقود: التجارب الشخصية والمحلية مع التغير المناخي
تمثل التجارب المحلية في الدول الجزرية الصغيرة نقطة هامة في فهم آثار التغير المناخي. على سبيل المثال، أعلنت بابوا غينيا الجديدة انسحابها من مؤتمر COP29 كاحتجاج على نقص الدعم من الدول الكبرى التي تمثل أكبر مساهم في انبعاثات الكربون. سلط رئيس وزراء البلاد، جيمس مارابي، الضوء على واقع اقتصادات هذه الدول التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة والتفاعل مع البيئة، مما يجعلها عرضة لأزمات مناخية خطيرة مثل ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف العاتية. على الرغم من انسحاب بلاده، تم إرسال بعثة إلى المؤتمر، مما أظهر أن هذه الجزر تدرك أهمية التواجد والمشاركة في المحادثات الدولية، حتى لو كانت هناك ضغوط تسود.
الإصلاحات المالية: ضرورة ملحة للدول النامية
في هذا السياق، أصبحت باربادوس تحت قيادة رئيس الوزراء ميا موتلي من أبرز الأصوات المطالبة بإصلاحات في نظام التمويل الدولي، تهدف إلى تخفيف الأعباء المالية على الدول المعرضة للتغير المناخي. في كلمة افتتاحية لها في COP29، طالبت موتلي بضرورة تخفيف القيود الاقتصادية على الدول النامية وتقديم دعم مالي حقيقي يساعدها على التكيف مع التغيرات المناخية. وكانت لديها رؤى واضحة حول الحاجة لإعادة هيكلة الديون وتفعيل آليات جديدة مثل “استبدال الديون من أجل الطبيعة”، مما يسمح بإلغاء الديون مقابل الاستثمارات في مشاريع الحماية البيئية. كما حذرت من أن عدم اتخاذ خطوات حقيقية في هذا الاتجاه سيؤدي إلى هجرة جماعية من الجزير إلى الخارج.
الأبعاد القانونية للعدالة المناخية
مع تفاقم الأزمات المناخية، بدأت الدول الجزرية الصغيرة اتخاذ خطوات قانونية لفرض المسؤوليات على الدول الكبرى. في عام 2023، كانت فانواتو واحدة من الدول التي بدأت في متابعة قضايا قانونية ضد الدول المسؤولة عن الانبعاثات. على الرغم من أن الآراء الاستشارية التي تصدر عن المحكمة لا تكون ملزمة، إلا أنها توفر نقطة انطلاق قوية للدعوة إلى تغيير السلوكيات البيئية. هذه الخطوات القانونية تمثل وسيلة لرفع الوعي وتعزيز الفرص للحصول على العدالة المناخية. كما يتضح من الحكم الصادر في 2022 ضد أستراليا، مما يعطي مثالًا يحتذى به لدول أخرى ترغب في استخدام النظام القانوني كأداة للضغط.
الصمود والمرونة: استراتيجيات التكيف في الدول الجزرية
دول مثل فيجي وتوفالو تضع حالياً استراتيجيات لمواجهة الآثار المدمرة للتغير المناخي. فيجي، على سبيل المثال، بدأت في تنفيذ برنامج نقل القرى الساحلية إلى أراضٍ أكثر أمانًا. أما توفالو، فقد انتقلت إلى المرحلة المحورية من الحفاظ على التراث الوطني من خلال بناء نسخة رقمية للبلاد تحاكي معالمها ومواردها. هذه الاستراتيجيات تعكس فهماً عميقاً للتحديات التي تواجهها هذه البلدان، وتسعى لتوفير آفاق معيشية مستدامة لمواطنيها في ظل ظروف متغيرة. على الرغم من التحديات الكبيرة، تسعى الدول الجزرية الصغيرة إلى البقاء والتمسك بحقوقها في مواجهة ارتفاع مستوى البحر، حيث أعلنت قادة هذه الدول أنه حتى في ظل تلك الضغوط، تتبنى هذه الدول التمسك بحقوقها السيادية.
رابط المصدر: https://www.bbc.com/future/article/20241125-the-sinking-island-states-fighting-climate-change
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً