تُعتبر إدارة النفايات الطبية من التحديات الكبرى التي تواجه المستشفيات في جميع أنحاء العالم، إذ تُشكل حرق هذه النفايات خطرًا كبيرًا على الصحة العامة والبيئة. في نيبال، اتجهت بعض المستشفيات نحو تحويل هذه النفايات الخطرة إلى غاز طبيعي يُستخدم في الطهي، في خطوة مبتكرة تهدف إلى الحد من الأضرار الناجمة عن الحرق. ومع ذلك، شهد موظفو مستشفى “تريبهوان” التعليمي في كاتماندو مشكلات صحية متكررة نتيجة الدخان الأسود الذي كان يتسرب إلى غرف المرضى، خاصة الأطفال والرضع. تحكي تجربة المستشفى عن الإدراك المتأخر للمخاطر المرتبطة بحرق النفايات الطبية، مما دفع إدارة المستشفى للتعاون مع المنظمات غير الربحية لتطوير حلول بديلة. في هذا المقال، نستعرض كيف قام المستشفى بتحويل إدارة النفايات، وما هي الفوائد التي حصلت عليها المجتمعات المحلية نتيجة اتباع هذه الحلول الاقتصادية والصديقة للبيئة.
مخاطر حرق النفايات الطبية وتأثيرها على الصحة العامة والبيئة
تعتبر مشكلة حرق النفايات الطبية من القضايا الخطيرة التي تؤثر على البيئة وصحة الأفراد. تكشف الدراسات أن استنشاق الدخان الناتج عن حرق هذه النفايات يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة مثل السعال المزمن وصعوبات في التنفس، حيث يشتكي العاملون بالأقسام الطبية القريبة من أفران الحرق من ظهور أعراض مزعجة مثل الصداع وتهيّج العين. إن انبعاث الدخان الأسود السام من مداخن هذه الأفران يشكل تهديداً حقيقياً للمرضى، خصوصاً الأطفال والرضع الذين يعانون من مشاكل صحية بديهية. غير أن المشكلة تتجاوز حدود المستشفيات، حيث يؤدي إلقاء النفايات الطبية في المناطق المفتوحة أو استخدام أساليب الحرق ذات الجودة المنخفضة إلى إطلاق مواد سامة مثل الديوكسين والفوران في البيئة. تشير التقارير إلى أن النفايات الطبية يمكن أن تكون مصدراً للإصابة بكثير من الأمراض المعدية، مما يحث على إعادة التفكير في أساليب إدارة النفايات في المؤسسات الصحية.
ابتكارات جديدة في معالجة النفايات الطبية في نيبال
مع تفاقم القضية، بدأ بعض المستشفيات في نيبال بإعادة التفكير في كيفية التعامل مع النفايات الطبية. جاء ذلك بعد تعاون مع مؤسسات غير ربحية مثل مؤسسة الصحة والبيئة والعمل المناخي، التي اقترحت حلولًا بديلة لتحسين طرق إجراء إدارة النفايات. تدريجيًا، تم تقديم حلول مثل تحويل النفايات إلى غاز طهي باستخدام تقنيات لا تعتمد على الحرق. هذه الحلول ليست فقط صديقة للبيئة ولكن أيضًا تساهم في تقليل الأعباء الصحية على الموظفين والمرضى. في عام 2014، عرضت مؤسسة HECAF360 تنفيذ تقنيات جديدة مثل الهضم اللاهوائي، ما أدى إلى اقتلاع أفكار تقليدية لتحويل النفايات السامة إلى موارد قيمة.
أهمية فصل النفايات الطبية وأثرها على مستقبل الرعاية الصحية
فصل النفايات الطبية يُعتبر أحد أساسيات إدارة النفايات الفعالة، ولكن الإحصائيات تكشف أن حوالي ثلث المؤسسات الصحية فقط تطبق هذا النظام. من الضروري أن يتم تصنيف وفصل المواد الخطرة مثل النفايات المعدية والسامة والنووية قبل التخلص منها. يؤدي عدم القيام بذلك إلى آثار سلبية خطيرة على الصحة العامة والبيئة. وفقًا لدراسات عالمية، يموت حوالي 5.2 مليون شخص سنويًا بسبب الأمراض المرتبطة بالنفايات، بما في ذلك أربعة ملايين طفل. يتطلب المسعى نحو تحسين إدارة النفايات تكاملاً بين الجهات الصحية والمجتمعات المحلية لضمان فصل النفايات وتطبيق أساليب المعالجة السليمة.
التحديات التي تواجه المستشفيات في إدارة النفايات الطبية
يواجه القطاع الصحي تحديات عديدة، خاصة في الدول النامية حيث تفتقر معظم المستشفيات إلى المعدات والتكنولوجيا اللازمة لإدارة النفايات بشكل فعال. تعاني العديد من المستشفيات من عدم وجود برامج أو آليات واضحة لفصل النفايات بشكل سليم، مما يؤدي إلى تجاهل الفوائد الكبيرة للتقنيات الحديثة في معالجة النفايات. الدعم الحكومي وغرس الوعي بين العاملين في القطاع الصحي عن أهمية فصل النفايات ومعالجتها سيساعد في خلق بيئة أكثر أماناً وصحة للمجتمع عمومًا.
استراتيجيات فعالة للتحويل إلى تقنيات صديقة للبيئة
تؤكد الابتكارات في معالجة النفايات الطبية في نيبال أن هناك طرقاً بديلة مثمرة يمكن أن تحل محل الحرق. مثال على ذلك هو استخدام تقنية البيوديجستر لتوليد الغاز الحيوي من النفايات. من خلال إنشاء أنظمة معالجة فعالة، يمكن تحقيق فوائد اقتصادية وبيئية مستدامة. إضافة لهذا، تعتبر الثقافة البيئية جزءاً من الحل من خلال تعليم المستشفيات وموظفيها حول أهمية تطبيق أساليب أفضل في تعاملهم مع النفايات.
إدارة نفايات المستشفيات وابتكار الهضم اللاهوائي
تعتبر إدارة نفايات المستشفيات قضية حيوية تمثل تحديًا كبيرًا للقطاع الصحي في مختلف أنحاء العالم. مع تزايد الوعي بأهمية حماية البيئة والصحة العامة، ظهرت حلول مبتكرة مثل استخدام الهضم اللاهوائي لمعالجة النفايات الخطرة الناتجة عن المستشفيات. تركز هذه الطريقة على تحويل النفايات العضوية، مثل فضلات الطعام والنفايات المرضية، إلى غاز الميثان وسماد طبيعي. الهضم اللاهوائي يتطلب وجود غرفتين، حيث يتم الاحتفاظ بالنفايات لفترة أطول لضمان سلامة المواد المعالجة. مثل هذه الأنظمة كانت موجودة في مستشفى Tribhuvan، والتي أثبتت فعاليتها في معالجة النفايات بطريقة آمنة ومستدامة.
يجمع نظام الهضم اللاهوائي في مستشفى Tribhuvan بين تكنولوجيا متقدمة وإدارة دقيقة للنفايات. على سبيل المثال، يمكن لنظام الهضم أن ينتج حوالي 1.5 متر مكعب من غاز الميثان يوميًا، وهو ما يعادل خمسة أسطوانات غاز عادية. استخدام غاز الميثان الناتج عن نظام الهضم في الطهي يساهم بشكل كبير في تقليل الاعتماد على الغاز البترولي المسال، مما يؤدي إلى توفير اقتصادي هام. ومع ذلك، التحديات التي تواجه موظفي المستشفى في إقناع جميع العاملين بتغيير ممارساتهم تشير إلى الحاجة إلى تحسين إدارة النفايات وتعزيز الوعي بين العمال.
التحديات الناتجة عن مقاومة التغيير
رغم الفوائد العديدة التي يمكن أن توفرها أنظمة الهضم اللاهوائي، إلا أن مقاومة التغيير قد شكلت عقبة كبيرة. أظهرت التقييمات أن مستشفى Tribhuvan كان يتوقع معالجة كمية أكبر من النفايات العضوية، ولكن فقط 36% من النفايات المتوقعة تمت معالجتها بالفعل. تكمن إحدى المشكلات في ان بعض الموظفين، خاصةً في أقسام الطهي، كانوا يميلون لبيع فضلات الطعام كعلف للحيوانات، مما يؤثر سلبًا على كمية النفايات المدخلة للنظام. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك قضايا تتعلق بعمال إدارة النفايات الذين كانوا يبيعون المواد القابلة لإعادة التدوير للحصول على موارد إضافية، مقابل تحمل مخاطر صحية.
على الرغم من التحديات، إلا أن الإدارة المعززة للنفايات الطبية من خلال التدريب والتوعية يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية. تم تحسين النظافة والبيئة العامة في المستشفى، حيث بدأ المرضى والموظفون في تطبيق ممارسات أفضل في النظافة الشخصية. من خلال الاستبدال الفعال للحرق باستخدام أنظمة الهضم، تم تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الفرق الكبير. التأثير الإيجابي على كل من البيئة وصحة موظفي المستشفى يشير إلى فوائد تلك الأنظمة ما إذا تم إدارتها بشكل صحيح.
فوائد وأهمية الهضم اللاهوائي في المستشفيات
تسهم تقنية الهضم اللاهوائي بشكل كبير في تعزيز الاستدامة البيئية وتقليل التأثيرات السلبية للنفايات الطبية. يمكن أن تؤدي هذه الأنظمة إلى خفض انبعاثات الكربون وتقليل الاعتماد على أساليب معالجة النفايات التقليدية، مثل الحرق. تشير التقارير إلى أن استخدام نظام الهضم اللاهوائي في مستشفى Tribhuvan أدى إلى تجنب حوالي 4.6 أطنان من انبعاثات الكربون في عام 2019. من الواضح أن هذا النظام لا يساهم فقط في تحسين جودة الهواء بل أيضًا في تعزيز الموارد الطبيعية من خلال إنتاج السماد الناتج عن معالجة النفايات. يمكن استخدام هذا السماد في الزراعة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج الزراعي.
على المستوى الاقتصادي، باستخدام غاز الميثان الناتج للطهي، يوفر المستشفى تكاليف الغاز البترولي المسال. لكن من المهم أن يفهم المستشفيات أنه لا ينبغي الاعتماد بشكل كامل على توفير الطاقة الناتج، بل يعتبر بعشاً لهامش من الطاقة يساعد في تغطية التكاليف. سيتم استرداد تكاليف البناء على مدى فترة زمنية طويلة. من الجدير بالذكر أن تركيب نظام الهضم يمكن أن يعزز صورة المستشفيات كمؤسسات مسؤولة اجتماعيًا، وبالتالي يساعد في جذب الدعم من المجتمعات المحلية والجهات الراعية.
آفاق وتحديات الابتكار العالمي في مواجهة النفايات الطبية
رغم الفوائد العديدة لنظم الهضم اللاهوائي، إلا أن هناك تحديات تعيق تبني هذه الأنظمة عالمياً، مثل نقص الوعي والتدريب والتمويل. تشير التقديرات إلى أنه في حين أن الحاجة لنظم معالجة النفايات آخذة في الازدياد، إلا أن أنظمة العمل المحلية غالبًا ما تكون قليلة، ولا تتوافق مع التقنيات الأكثر تقدمًا المتاحة. الاستثمار في الهضم اللاهوائي يحتاج إلى دعم مشترك بين الحكومات، البنوك، والمنظمات غير الحكومية لتعزيز البحث وتطوير التنفيذ.
لمساعدة البلدان في تطبيق ممارسات أكثر استدامة، تم طرح إطارات عالمية من قبل منظمات مثل منظمة الصحة العالمية. يتطلب الأمر الالتزام بجدول زمني لتحقيق الأهداف التشغيلية بحلول عام 2030. ولكن، يحتاج الأمر إلى جهد فعال من الجهات المسؤولة عن النفايات الطبية في المجالات الحكومية والاهتمام بخبراء في هذا المجال. العديد من المبادرات في العالم، بما في ذلك الأنظمة المستخدمة في أفريقيا، توفر أمثلة ناجحة على كيفية التمكن من التغلب على النقص في الدعم والرؤية.
رابط المصدر: https://www.bbc.com/future/article/20241014-the-hospitals-in-nepal-turning-medical-waste-into-cooking-gas
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً