في ظل التغيرات الجذرية التي تشهدها سياسة العقارات الصينية، يُطرح سؤالٌ مهم: هل يُمكن للنموذج السنغافوري الناجح في مجال الإسكان أن يُشكل حلاً لهذه التحديات؟ تبرز سنغافورة كمثال يُحتذى به عالمياً في كيفية تقديم الإسكان بأسعار معقولة، حيث تُعدّ استراتيجيتها، المعروفة بالنموذج السنغافوري، محطّ إعجاب للعديد من الدول الباحثة عن حلول مُبتكرة. يعتمد هذا النموذج على توفير مساكن بأسعار منخفضة، مما يتيح لفئة واسعة من الناس الحصول على سكن ملائم، بالإضافة إلى تنظيم تشريعات صارمة لضمان العدالة في توزيع الإسكان.
نتناول في هذا المقال أبرز سمات نموذج الإسكان في سنغافورة وكيف يمكن استلهام منهجها التطبيقي في سياق التغييرات الجديدة التي تطرأ على السوق العقاري في الصين، لنتسائل: هل يُمكن فعلاً تعلم الدروس المستفادة وتطبيقها بنجاح في بيئة مختلفة؟
التغيرات الضخمة في سياسة العقارات الصينية
شهدت سياسة العقارات في الصين تحولات جذرية خلال الآونة الأخيرة، حيث وصفت وسائل الإعلام هذه التحولات بأنها “أسطورية”. تزامنت هذه التطورات مع مجموعة من السياسات التي تهدف إلى إنعاش سوق الإسكان. في تاريخ 17 مايو، تم خفض نسبة الدفعة الأولى للقروض العقارية إلى 15%، وذلك في خطوة تهدف إلى تسهيل الحصول على السكن للمواطنين. كما تم تخفيض معدل الفائدة على مدخرات التأمين السكني بمقدار 0.25%، وإلغاء الحد الأدنى لمعدلات الفائدة للقروض العقارية.
شمل الإعلان أيضًا تخصيص 300 مليار يوان لأغراض الإسكان بمعدلات فائدة ميسرة، لدعم الشركات الحكومية في شراء الوحدات السكنية الجاهزة وغير المباعة لتوفيرها كأماكن للعيش للمواطنين. وهذا يعكس تحركًا نشطًا نحو السوق وتدخلًا حكوميًا قويًا لدعم قطاع الإسكان، وهو ما قد يساعد على تنشيط الاقتصاد الصيني على المدى الطويل.
في هذه الأثناء، تعرضت السوق العقارية لضغوطات نتيجة ارتفاع الأسعار ومعدل الضغوط الاقتصادية. وقد يكون من الحكمة النظر في نماذج ناجحة لدول أخرى مثل سنغافورة التي اعتمدت نموذجًا مختلفًا يحقق توازنًا بين السوق واحتياجات المواطنين. فبينما يستمر الصراع في الصين لإيجاد حلول فعالة، يظهر أن هناك فرصة لتطبيق تجارب معترف بها عالميًا.
نموذج الإسكان في سنغافورة: دروس يمكن الاستفادة منها
يمكن اعتبار نظام الإسكان في سنغافورة من أبرز الأنظمة العالمية التي يمكن الاستفادة منها. يتمثل جوهر نموذج سنغافورة في توفير مساكن بأسعار معقولة عبر سلسلة من الخطط الحكومية التي تضمن تلبية احتياجات المواطنين. يشمل ذلك بناء ما يعرف بالـ”مجمعات السكنية” التي تُعتبر نماذج شبه مجتمعية، حيث يشترك السكان في المرافق الأساسية مثل الحدائق والأماكن العامة.
ويُظهر هذا النموذج كيف يمكن للحكومة أن تلعب دورًا محوريًا في توفير الإسكان. حيث تشكل المساكن الحكومية نسبة 80% من إجمالي الوحدات السكانية. الأسعار المحددة لهذه الوحدات تعتمد على دخل الأسر، مما يعني أن الأشخاص ذوي الدخل المنخفض يمكنهم الحصول على فرصة للعيش في مساكن جيدة.
أيضًا، يوفر النموذج السنغافوري طريقة فعالة لتوزيع الوحدات السكنية. تخطط الحكومة لبناء وحدات جديدة بناءً على طلب المواطنين، مما يقلل من فترات الانتظار. كما أن شراء الوحدات السكنية محكوم بشروط صارمة لضمان أن تكون هذه الوحدات مخصصة للسكان المحليين.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تعمل الحكومة على تحديث تلك الأبنية وصيانتها بانتظام لمنع تحولها إلى أحياء عشوائية. يُظهر التخطيط الحضري الجيد في سنغافورة كيف يمكن دمج المرافق التعليمية والصحية والتجارية في المناطق السكنية، مما يسهل حياة المواطنين ويعزز من انتمائهم.
ضرورة حماية استحقاقات الإسكان من الاستغلال
تعتبر قضية الحفاظ على الاستحقاقات الخاصة بالسكن آلية حساسة في تنفيذ أي نظام إسكان مدعوم حكوميًا. في حالة سنغافورة، هناك آليات صارمة تهدف إلى منع الأثرياء من التلاعب بالنظام للحصول على المساكن المدعومة. يبين ذلك أهمية وضع لوائح صارمة تحدد المستفيدين من برامج الإسكان المدعومة، والتي تشمل عادةً قيودًا على الدخل والملكية.
تشير التجارب السابقة في بعض الدول إلى أن الإسكان المدعوم قد يصبح ساحة للممارسات الفاسدة إذا لم يتم تنظيمه بشكل جيد. تتطلب المكافآت الحكومية العادلة وضع قواعد واضحة تمنع أي شكل من أشكال الاستغلال. على سبيل المثال، فرضت سنغافورة تشريعات تمنع بيع الوحدات السكنية المدعومة لمدة 5 سنوات بعد الشراء، مما يضمن أنها تبقى في يد من يحتاجها فعلاً.
ويعتبر مبدأ فرض الضرائب على المبيعات وأعباء المبيعات العالية أمرًا ضروريًا للحفاظ على استقرار السوق ومنع الاستغلال. فكلما ارتفعت أعباء الضريبة على المساكن، قللت من احتمالية تحوّل المساكن المدعومة إلى أدوات استثمارية جذابة للمستثمرين الأثرياء.
تتجلى أهمية هذا النموذج في تعزيز العدالة الاجتماعية في المجتمع، حيث يتيح الفرصة للأشخاص ذوي الدخل المحدود للوصول إلى مسكن آمن ويعزز من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
التحديات المستقبلية لنموذج الإسكان في سنغافورة
مع استمرار التغيرات السريعة في الأسواق العالمية، يواجه نموذج الإسكان في سنغافورة تحديات تتعلق بالضغط السكاني وارتفاع الأسعار. على الرغم من كفاءة النموذج الحالي، إلا أن هناك مخاوف من أن تكون الأسعار في السوق الثانوي قد تخطت حدود القابلية للتحمل، مما يثير القلق بين السكان.
تتزايد القوى الدافعة وراء التوجه نحو الأسعار العالية مع ازدياد عدد الطلبات على الوحدات السكنية. لذلك يجب على الحكومة أن تظل فعالة في إدارة هذا النمو والتعديل على سياساتها لضمان أن تظل المساكن في متناول الأيدي.
كما أن التحسينات المستمرة على مرافق السكن والسعي لتحقيق استدامة بيئية في التطوير العمراني تعتبر من الأولويات. تتطلب هذه النتائج استثمارات كبيرة وقدرة تصميمة مرنة لمواجهة متطلبات المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، يمثل التنوع الثقافي في سنغافورة تحديًا مستمرًا، حيث تُعتبر السياسات متعددة الثقافات أمرًا أساسيًا للحفاظ على التوازن في المجتمع.
في الوقت ذاته، تقف الصين على مفترق طرق حيث تتطلب الحاجة إلى إسكان مدعوم بشكل أكبر. وقد يكون من المناسب أن تتبنى بعض المبادئ الأساسية للنموذج السنغافوري، مما يسمح لها بتعزيز حقوق المواطن في السكن بطريقة تتماشى مع الاحتياجات الاقتصادية المتغيرة. وقد يمثل ذلك فرصة للابتكار في أسلوب التخطيط الحضاري وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية على حدٍ سواء.
رابط المصدر: http://xinhanet.com/thread-35665-1-1.html
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً