تتطرق هذه الحلقة من بودكاست “سُقراط” إلى العديد من القضايا المثيرة التي تحيط بصناعة الاستشارات وتأثيرها المتزايد في السعودية. يقدم عمر، مقدم البرنامج، حوارًا عميقًا مع رياض النجار، رئيس مجلس إدارة “PwC” في الشرق الأوسط، حول رحلة التحول التي شهدتها المملكة منذ إطلاق رؤية 2030. يناقش الضيف أهمية الاستشارات وكيف أن هذه الشركات تساهم في تقديم الخبرات والنماذج الناجحة من جميع أنحاء العالم، مع استعراض التحديات التي تواجهها في ضمان عدم تسرب المعلومات السرية والحفاظ على نزاهة العملية الاستشارية.
تتضمن المناقشة أيضًا قضايا حساسة تتعلق بالفساد والممارسات السلبية التي قد تتخلل العمل الاستشاري، بالإضافة إلى وجهات نظر مختلفة حول دور المستشارين، سواء كانت سلبية أو إيجابية. يشمل الحديث أيضًا أهمية نقل المعرفة للجيل الشاب، وتحفيز السعوديين على الانخراط في هذه الصناعة، وسط دعوات لتعزيز الكفاءات المحلية في الاستشارات.
يتناول الرياح أيضًا كيفية مواجهة التحديات التي تبرز مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما إذا كان هناك مستقبل حقيقي للاستشارات في ظل هذا التقدم. كما يستعرض الضيف التجارب المحلية والتعاقدات الجديدة، بما في ذلك المكتب الذي افتتح في العلا، والذي يهدف إلى تعزيز الشراكات المجتمعية وتدريب السعودية على المهارات اللازمة.
تعد هذه الحلقة من البودكاست نافذة مثيرة لفهم عالم الاستشارات والعمليات التي تدور خلف الكواليس، وتركز على كيف يمكن لهذه الصناعة أن تكون قوة دافعة للتغيير والتحول في المملكة.
تاريخ صناعة الاستشارات
تعود بدايات صناعة الاستشارات إلى الممارسات المرتبطة بالتدقيق، حيث كانت الشركات بحاجة إلى تدقيق حساباتها وأدائها. بدأ الأمر عندما طلبت الشركات المساهمة إجراء تدقيق خارجي لبياناتها المالية، مما أظهر الحاجة إلى تحسينات في الأداء وكشف الفجوات. ومع تطور القطاع، بدأت هذه الشركات في توفير خدمات استشارية تتجاوز التدقيق. على سبيل المثال، كانت شركة آرثر أندرسن من أوائل الشركات التي أسست قسم للاستشارات، والذي تطور لاحقًا ليصبح شركة مستقلة تعرف باسم أندرسن استشارات. هذا النمو في قطاع الاستشارات شهد انطلاق الكثير من الشركات التي انتقلت من تقديم خدمات التدقيق فقط إلى تقديم خدمات استشارية متكاملة.
في منطقة الشرق الأوسط، بدأت PwC (برايس ووترهاوس كوبرز) في تقديم خدماتها في عام 1979، مع التركيز على التدقيق. وفي التسعينيات، بدأ دور الاستشارات يتزايد، خصوصًا مع التحول الذي شهدته السعودية في ظل رؤية 2030. وبفضل الحاجة المتزايدة للاستشارات في القطاع الحكومي، بدأت الشركات الاستشارية تلعب دورًا محوريًا في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحكومة والمساهمة في تطوير العديد من القطاعات.
عبر السنين، أصبح الاستشاريون جزءًا لا يتجزأ من العمليات التنظيمية في المملكة، حيث ساهموا في بناء القدرات المحلية وتطوير مهارات الأفراد. وقد أدى هذا إلى رفع مستوى الوعي حول أهمية الاستشارات وأثرها على التحولات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
قضايا السرية والامتثال في الاستشارات
تُعتبر قضايا السرية وحماية المعلومات من الجوانب الحيوية في صناعة الاستشارات. تتطلب الشركات مثل PwC اتخاذ تدابير صارمة لحماية بيانات العملاء، خاصة عند التعامل مع معلومات حساسة تتعلق بالجهات الحكومية. يُطبق نظام صارم لحماية المعلومات، حيث يتم تشفير جميع البيانات وتطبيق سياسات صارمة على الموظفين لضمان عدم تسرب المعلومات. على سبيل المثال، إذا طلب عميل حكومي من موظف إرسال معلومات حساسة إلى بريد إلكتروني شخصي، يقوم النظام بتفعيل إنذار لمنع هذا الإجراء.
تتضمن التدريبات السنوية للموظفين سيناريوهات تحاكي المواقف التي قد تؤدي إلى تسرب المعلومات. يُطلب من الموظفين إكمال اختبارات لضمان فهمهم وإدراكهم لأهمية السرية. هذه السياسات تسهم في بناء الثقة مع العملاء، حيث يضمن العملاء أن المعلومات الحساسة محمية بشكل جيد وأن الشركة تأخذ قضايا الخصوصية بجدية.
ومع ذلك، لا يمكن اعتبار أن هذه الإجراءات كافية تمامًا لإغلاق جميع الثغرات. ما زالت هناك تهديدات محتملة، مما يتطلب من الشركات الاستمرار في تحديث سياساتها وتعزيز الوعي بين الموظفين حول أهمية الحفاظ على سرية المعلومات.
استراتيجية التنفيذ ودور الاستشاريين
تُعتبر استراتيجية التنفيذ واحدة من أبرز نقاط القوة لشركات الاستشارات. لا يقتصر دور الاستشاريين على تقديم الاستراتيجيات فحسب، بل يمتد إلى تنفيذ هذه الاستراتيجيات على أرض الواقع. يعتمد النجاح في التنفيذ على القدرة على تحويل الخطط إلى واقع، مما يتطلب خبرات متخصصة ورؤية واضحة. يُعرف هذا النهج بـ “استراتيجية إلى تنفيذ”، حيث يبدأ الاستشاريون بتطوير الاستراتيجيات ويعملون على تنفيذها بشكل متكامل.
تواجه الشركات تحديات خلال مرحلة التنفيذ، حيث يجب التكيف مع الظروف المتغيرة والاستجابة للمواقف غير المتوقعة. على سبيل المثال، في مشروع تم تكليفه بإنشاء هيئة جديدة، كان على الاستشاريين ليس فقط تطوير الهيكل التنظيمي والعمليات، بل أيضًا التأكد من أن جميع العناصر الأساسية متوافقة مع الأهداف الاستراتيجية للهيئة. تطلب الأمر جهدًا كبيرًا في إدارة الفرق وتوجيههم لضمان النجاح في التنفيذ، وهو ما يعكس أهمية مهارات القيادة والتواصل الفعّال في هذا السياق.
بفضل تجاربهم المتعددة، يستطيع الاستشاريون نقل المعرفة والخبرات إلى فرق العمل المحلية، مما يساعد في بناء قدرات محلية قوية. على سبيل المثال، في مشروع حكومي كبير، تم تدريب الموظفين على إدارة المشاريع بشكل فعال، مما أتاح لهم العمل بشكل مستقل بعد انتهاء المشروع. يمثل هذا الوصول إلى المعرفة أحد أهم الفوائد التي تقدمها شركات الاستشارات، حيث يتمكن الموظفون من الاستفادة من الممارسات المثلى العالمية وتطبيقها محليًا.
تحديات الاعتماد على الاستشاريين
يواجه الاعتماد المتزايد على شركات الاستشارات العديد من التحديات. واحدة من أكبر المخاوف هي فقدان المعرفة الداخلية والاعتماد المفرط على الخبرات الخارجية. عندما تعتمد الهيئات الحكومية أو الشركات على الاستشاريين بشكل كبير، قد تواجه خطر فقدان المهارات والمعرفة اللازمة لاستدامة المشاريع. كما أن هناك مخاوف من أن بعض الكيانات قد تستخدم خدمات الاستشارة كحل سريع دون التفكير في العواقب الطويلة الأمد.
كثيرًا ما يشير النقاد إلى أن بعض الشركات تستأجر الاستشاريين لنقل المسؤولية عن القرارات الاستراتيجية، مما قد يؤدي إلى عدم الاستدامة. يجب على المؤسسات أن تكون واعية لهذا التحدي وأن تسعى لضمان أن تكون هناك عملية واضحة لنقل المعرفة، بحيث يتمكن الموظفون من تعلم المهارات اللازمة لتنفيذ الاستراتيجيات الجديدة بأنفسهم.
تتضمن الحلول الممكنة تعزيز التعاون بين الاستشاريين والموظفين المحليين، لضمان أن تكون هناك تجربة عملية تتجاوز تقديم الاستشارات النظرية. من خلال تنفيذ استراتيجيات فعالة لنقل المعرفة، يمكن للمؤسسات تحقيق توازن بين استخدام الخبرات الخارجية والحفاظ على القدرات الداخلية.
الشركات الكبرى ودورها في السوق السعودي
تعتبر الشركات الكبرى مثل شركات “البيغ فوري” جزءًا أساسيًا من البيئة الاقتصادية في السعودية. على مدار أكثر من مئة عام، استطاعت هذه الشركات أن تدمج نفسها في النسيج الاقتصادي للمملكة، حيث يعمل حوالي 60% من موظفيها من السعوديين. يُنظر إلى هذه الشركات على أنها ليست فقط كيانات خارجية تتولى مشاريع مؤقتة، بل هي جزء من المجتمع السعودي وتهدف إلى المساهمة في تطويره. من الضروري أن ندرك أن هذه الشركات تستثمر بشكل كبير في تطوير مهارات موظفيها، مما يعزز من قدرة السوق المحلي على التكيف والنمو.
هناك أيضًا أهمية كبيرة للشراكات بين الشركات المحلية والدولية. في بداية أي مشروع، قد لا تتوافر الخبرات المحلية الكافية، لذا فإن التعاون مع شركات ذات خبرة عالمية يعد عنصرًا أساسيًا لتحقيق النجاح. على سبيل المثال، إذا كنت تدير شركة استشارية خاصة بك، فإن وجود شبكة من الخبراء المحليين والدوليين يمكن أن يعزز قدراتك على تلبية احتياجات العملاء بكفاءة. من الضروري تجاوز فكرة “الغرور” التي قد تدفع البعض للاعتقاد بأنهم قادرون على القيام بكل شيء بمفردهم، فالعمل الجماعي يجلب فوائد أكبر ويحقق نتائج أفضل.
علاوة على ذلك، يتطلب الاستثمار في تطوير الحلول التفكير بعيد المدى. يجب على الشركات أن تهتم بما يمكن أن يحدث في المستقبل، وأن تستمع إلى آراء العملاء بخصوص التوجهات المتوقعة في السوق. إن استثمار الشركات في البحث والتنمية وتوسيع نطاق خدماتها هو أمر حيوي لضمان استدامتها ونجاحها. كما يجب أن ندرك أن هناك العديد من الشركات الكبيرة المحلية، مثل “إلم” و”ثقة”، التي تلعب دورًا مهمًا في السوق، ويجب تعزيز التعاون معها.
أهمية البيانات والشفافية في الاستشارات
تتعلق الاستشارات بتقديم معلومات دقيقة وموثوقة للعملاء، ولكن في بعض الأحيان تكون توقعات الاستشاريين متفائلة بشكل مبالغ فيه. على سبيل المثال، تعرض مشروع “CNN+” للفشل بعد أربعة أسابيع من الإطلاق، وهو ما يعزى جزئيًا إلى التوقعات المبالغ فيها من قبل شركة استشارية معروفة. هذا الحادث يسلط الضوء على أهمية تقديم بيانات دقيقة وشفافة، حيث أن تقديم معلومات مضللة يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على كل من العميل والشركة الاستشارية.
من الضروري أن يعمل الاستشاريون على بناء علاقات ثقة مع عملائهم، مما يتطلب الشجاعة أحيانًا لتقديم وجهات نظر قد لا تكون مريحة. في كثير من الحالات، قد يكون من الصعب على العملاء تقبل الحقائق الصعبة، لذا يجب أن يوازن الاستشاري بين تقديم الواقع واحتياجات العميل. إن تقديم خيارات متعددة مع توضيح المخاطر والمنافع يمكن أن يساعد في توضيح الأمور.
عندما يتعلق الأمر بمعالجة توقعات العملاء، فإن التحدي يكمن في تقديم الحقائق دون إلحاق الضرر بالعلاقة. في بعض الأحيان، قد تكون هناك معلومات خاطئة أو سوء فهم من قبل العميل، مما يتطلب من الاستشاريين تقديم توضيحات مستندة إلى البيانات والحقائق. في هذه السياقات، يكون من الضروري أن يتحمل الاستشاري مسؤولية تقديم المعلومات بدقة وموضوعية، مع الأخذ في الاعتبار أن العميل هو الذي يتخذ القرار النهائي.
سعي الشركات الاستشارية لتجاوز توقعات العملاء ، يعتبر من القيم الأساسية، مما يعكس التزامهم بالأداء العالي. يتطلب ذلك تقديم تقارير دقيقة، وعقد ورش عمل، وتوفير بيانات تدعم القرارات، مما يساعد الشركات على اتخاذ خطوات مستنيرة نحو تحقيق أهدافها.
تحديات رؤية 2030 والنجاحات المحققة
تعتبر رؤية 2030 إطارًا طموحًا لتطوير الاقتصاد السعودي وتحقيق التنوع الاقتصادي. في منتصف الرحلة، تم نشر تقرير عن تقدم الرؤية، الذي أظهر إنجازات ملحوظة في مجالات متعددة. على سبيل المثال، تم تحقيق تقدم كبير في تمكين المرأة، حيث تجاوزت نسبة النساء العاملات الهدف المحدد. وهذا يعتبر إنجازًا يعكس التزام الحكومة بدعم النساء في سوق العمل، وهو مثال على كيفية تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في آن واحد.
عند النظر إلى أهداف الرؤية، نجد أيضًا أن هناك نجاحات ملحوظة في مجال الإسكان، حيث اقتربت نسبة تملك المواطنين من 70%. هذا يُظهر التزام الحكومة بتوفير سكن ملائم للمواطنين. ومع ذلك، لا يزال هناك تحديات تتطلب المزيد من الجهود، مثل جذب الاستثمار الأجنبي، الذي يعتمد بشكل كبير على تحسين البنية التحتية.
تحقيق أهداف الرؤية يتطلب استثمارات كبيرة في القطاعات المختلفة، وكذلك تعديلات على القوانين والأنظمة. على سبيل المثال، تعتبر التغييرات في قوانين الضرائب والبنية التحتية أمرًا حيويًا لجذب الشركات العالمية إلى المملكة. هذا يتطلب التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية لتحقيق الأهداف المرجوة.
واحدة من الدروس المستفادة من النصف الأول من الرؤية هي أن التحديات التي واجهتنا، مثل جائحة COVID-19، قد أجبرت الحكومة على اتخاذ خطوات سريعة وفعالة. من خلال متابعة مؤشرات الأداء، تمكنت الحكومة من اتخاذ قرارات مدروسة لدعم القطاعات المتضررة، مما ساعد في تسريع عملية التعافي. هذا التوجه الاستباقي يعد أحد العوامل التي ساهمت في نجاح المملكة في تجاوز الأزمة بشكل أسرع مقارنة ببعض الدول الأخرى.
مستقبل الاستشارات في عصر الذكاء الاصطناعي
مع التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يتساءل الكثيرون عن مستقبل صناعة الاستشارات. يُعتبر الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن أن تعزز من كفاءة الاستشاريين من خلال أتمتة المهام الروتينية التي لا تضيف قيمة حقيقية. من خلال الاستفادة من هذه التكنولوجيا، يمكن للمستشارين التركيز على القضايا الأكثر تعقيدًا والتي تحتاج إلى تدخل بشري، مثل إدارة المخاطر وتقديم استراتيجيات مبتكرة للعملاء.
عند التفكير في تأثير الذكاء الاصطناعي على الاستشارات، يجب الاعتراف بأن AI لن يحل محل خبرة الاستشاريين، بل سيعزز من قدراتهم. يمكن أن يساعد استخدام الذكاء الاصطناعي في توفير الوقت والموارد، مما يسمح للمستشارين بتقديم خدمة أعلى جودة للعملاء بتكلفة أقل. فبدلاً من قضاء الوقت في جمع البيانات وتحليلها، يمكن للمستشارين استخدام الذكاء الاصطناعي للتركيز على تقديم استراتيجيات وحلول فعالة.
بالإضافة إلى ذلك، يتطلب مستقبل الاستشارات من الشركات التكيف مع متطلبات السوق المتغيرة بسرعة. تزايد الاعتماد على التقنيات المتقدمة يعني أن الاستشاريين يجب أن يكونوا مستعدين للتعلم وتطوير مهاراتهم باستمرار. يجب ألا تكون التكنولوجيا عائقًا، بل فرصة لتعزيز الكفاءات وتقديم قيمة أكبر للعملاء.
من المهم أيضًا أن تتبنى الشركات الاستشارية ثقافة الابتكار والتحسين المستمر، حيث إن القدرة على التكيف مع التغيرات السريعة في السوق هي ما سيحدد نجاحها في المستقبل. استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة للتحليل والتنبؤ يمكن أن يوفر رؤى مهمة ويساعد الشركات في اتخاذ قرارات استراتيجية مستنيرة. وبالتالي، يجب أن يكون المستقبل واعدًا ومليئًا بالفرص، شريطة أن يتم استغلال هذه التكنولوجيا بشكل صحيح.
تم تلخيص الحلقة بإستخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً