نشاط مدهش للشبكات العصبية في الدماغ أثناء مشاهدة الأفلام

تُعَدُ مشاهدة الأفلام من الأنشطة المفضلة لدى الكثيرين، حيث تُسهم في توفير لحظات من الاسترخاء والتسلية بعد يوم طويل. إلا أن أحدث الأبحاث تُظهِر أن دماغنا يكون نشطًا للغاية أثناء مشاهدة الأفلام، حيث يتم تنشيط عشرات الشبكات العصبية المرتبطة بأنواع مختلفة من المشاهد. في هذا المقال، نستعرض دراسة جديدة نُشرت في مجلة “Neuron”، توضح كيف استطاع باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا استخدام بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتطوير خريطة وظيفية دقيقة للدماغ. سنكتشف سويًا كيف أن أجزاء مختلفة من الدماغ تتفاعل مع مشاهد سينمائية معينة، مما يفتح أمامنا آفاقًا جديدة لفهم كيفية معالجة الدماغ للمعلومات في سياقات طبيعية. دعونا نغوص في عالم مثير من الاكتشافات العصبية التي قد تغير فهمنا للتفاعل البشري مع الفن السابع.

نشاط الدماغ أثناء مشاهدة الأفلام

عند مواجهة تأثير الأفلام، يتفاعل دماغنا بشكل عميق مع العروض المرئية. ليس من المفاجئ أن نشعر بالراحة والاسترخاء عند مشاهدتنا للفيلم، ولكن ما نتجاهله في كثير من الأحيان هو النشاط الهائل الذي يحدث في الدماغ خلال هذه العملية. أظهرت الأبحاث الحديثة أن حوالي 24 شبكة دماغية تضيء أثناء مشاهدة أنواع مختلفة من المشاهد السينمائية. تحتوي هذه الشبكات على دوائر محددة تدعم الجوانب المختلفة للإدراك، مما يعني أن الدماغ يعمل بكفاءة أكبر مما نعتقد بينما نتابع حبكات الأفلام. هذا الاكتشاف يشير إلى أن الأفلام ليست مجرد محتوى ترفيهي، بل إن لها القدرة على تنشيط مجموعة واسعة من العمليات المعرفية.

من خلال دراسة أجراها باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تم استغلال تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لتعقب النشاط الدماغي. خلال الدراسة، تم عرض مقاطع قصيرة من أفلام مستقلة وهوليوودية لأشخاص مختلفين، مما سمح للباحثين بتحديد الأجزاء النشطة من الدماغ استجابة لمختلف المشاهد. على سبيل المثال، عند رؤية شخصية مثل “دوم كوب” من فيلم “Inception”، يجلب دماغنا مجموعة مختلفة من الشبكات لتفسير السياق المعقد للمشهد.

أهمية الخريطة الوظيفية للدماغ

تعتبر الخريطة الوظيفية للدماغ الناتجة عن هذه الدراسات خطوة هامة في فهم كيفية تنظيم الشبكات العصبية. لقد حققت الأبحاث تقدماً ملحوظاً في تحديد كيف يرتبط نشاط الدماغ بتصوير الأفلام. من المثير أن الخريطة هذه تصبح الأكثر تفصيلاً حتى الآن، حيث تسلط الضوء على كيفية تفاعل الدماغ مع المفاهيم المختلفة من خلال الصور المتحركة. على سبيل المثال، عندما نرى شخصيات تتفاعل فيما بينها، تنشط شبكات متخصصة في التعرف على الوجوه والتفاعل الاجتماعي، بينما تضيء شبكات مختلفة عندما نشاهد مشاهد معقدة تتطلب التركيز والتفكير النقدي، مثل التخطيط لسرقة في “Ocean’s 11”.

تظهر نتائج هذه الأبحاث أيضاً علاقة عكسية بين المناطق المسؤولة عن التحكم التنفيذي، مثل التخطيط واتخاذ القرار، وبين أجزاء الدماغ الأخرى. عند مشاهدة مشاهد معقدة وصعبة الفهم، تصبح هذه المجالات التنفيذية نشطة جداً، في حين تنشط المناطق المتخصصة في معالجة اللغة والمعلومات البسيطة في المشاهد الأقل تعقيداً. هذه الوظائف المتعددة تشير إلى أن مشاهدة الأفلام ليست مجرد تجربة عابرة، بل هي عملية تنطوي على الكثير من الإدراك والتحليل.

تفاعل الدماغ مع المشاهد المختلفة

تُظهر دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الفعالية أن دماغنا يتفاعل بطرق متنوعة مع أنواع مختلفة من المشاهد. فعندما يُعرض على المشاهد مشهد يتطلب تفاعلاً عاطفياً عميقًا، مثل تلك اللحظات المؤثرة في الأفلام الدرامية، تعمل شبكات الحساسية العاطفية بشكل كبير. بينما في المشاهد التي تتضمن تفاصيل متشعبة، يتطلب الأمر تضافرًا أكبر بين دوائر التفكير العليا.

هذا التفاعل المعقد يفسر لماذا قد يشعر الأشخاص المختلفة بشكل مختلف حيال نفس الفيلم. فبعض الأشخاص قد يتأثرون بشكل كبير بالمشاهد التي تتطلب التفكير العميق، بينما يجد آخرون متعة أكبر في اللحظات الكوميدية أو العاطفية. من خلال الدراسة، استطاع الباحثون تحديد النقاط التي تثير استجابة قوية في الدماغ، مما يفتح أفقاً لتطوير السينما بشكل يمكن أن يكون أكثر جاذبية للمشاهدين.

الإجراءات المحتملة لتحسين تجربة المشاهدة

يمكن أن تساعد هذه الرؤى صانعي الأفلام في تحسين حكاياتهم من خلال إعطاء المشاهدين تجارب أكثر جاذبية. ألا يتساءل الكثير من مخرجي الأفلام عن كيفية تفاعل الجمهور مع المحتوى الخاص بهم؟ من خلال الاستفادة من النتائج التي توصلت إليها الدراسات، يمكن للمخرجين الآن تحسين سردهم لتلبية الاستجابة الفسيولوجية للجمهور. تتطلب المشاهد المعقدة ذكاءً عاليًا من المشاهد ووضعه في حالة سلبية تفسر سبب نجاح أفلام معينة في جذب الانتباه.

ويبقى الأمر كذلك، يمكن أن توفر هذه الدراسة أيضًا رؤى قيمة حول كيفية تنظيم الدماغ لشبكاته، مما يسهم في تطوير استراتيجيات علاجية جديدة لفهم الحالات الطبية مثل الفصام أو التوحد. في هذا السياق، فإن خريطة النشاط الدماغي يمكن أن تعزز الفهم الإكلينيكي وبالتالي تحسين نوعية الحياة للأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات.

رابط المصدر: https://www.livescience.com/human-behavior/24-brain-networks-kick-in-when-you-watch-movies-study-finds

تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent