في الوقت الذي تكافح فيه المجتمعات حول العالم مع تفشي ظاهرة السمنة، يبرز البحث الجديد الذي تم نشره في مجلة “Nature” ليقدم رؤى جديدة حول كيفية إدارة شهية الطعام في الدماغ. تشير الدراسة إلى أن هناك دائرة عصبية بسيطة تشمل ثلاثة أنواع من الخلايا العصبية تلعب دورًا أساسيًا في تنظيم رغبتنا في الأكل. من خلال التجارب على الفئران، اكتشف الباحثون أن تلك الخلايا تعاود التنسيق بشكل دقيق لتثبيط أو تعزيز الشعور بالجوع، مما يعني أن التحكم في شهيتنا قد لا يكون مسألة خيارات واعية، بل استجابة فسيولوجية تلقائية. هذه الاكتشافات يمكن أن تكون نقطة التحول في فهمنا للجوانب العصبية للجوع والسمنة، مقدمةً مجموعة جديدة من الفرص للبحث في كيفية تصحيح المسارات الفسيولوجية المعيبة. سنستعرض في هذا المقال التفاصيل المثيرة وراء هذه الدائرة العصبية وكيف يمكن أن تؤثر على مستقبل التعامل مع السمنة.
النظام العصبي والتغذية: استجابات الجسم للتحكم في الشهية
تشير الأبحاث الجديدة إلى أن النظام العصبي يلعب دورًا مركزيًا في التحكم في الشهية عن طريق ثلاثة أنواع من الخلايا العصبية. يبدأ هذا النظام بخلية عصبية متخصصة تكتشف هرمونات تشير إلى الجوع أو الشبع، ويؤدي تفاعل هذه الخلايا إلى تحفيز نشاط خلايا عصبية أخرى في مناطق مختلفة من الدماغ، مما يؤثر بدوره على حركة الفك اللازمة للمضغ. هذا التفاعل العصبي يعمل ك-reflex بسيط، بدون الحاجة إلى تفكير واعٍ، مما يبرز كيف أن نمط التغذية قد يكون مبرمجًا بعمق في نظامنا العصبي.
إذا نظرنا إلى كيفية عمل هذه الألية، نجد أن الستة هرمونات التي تشير إلى الجوع تكون لها مفعول مباشر على الخلايا العصبية في منطقة الوطاء (hypothalamus) بالدماغ. هذه المنطقة هي المسؤولة عن تنظيم الجنس والشهية والشعور بالجوع. بعد تناول وجبة غذائية كافية، تبدأ الخلايا الدهنية والمعدة بإطلاق هرمونات معينة مثل اللبتين (leptin) والغريلين (ghrelin)، التي تعمل على إيقاف الشعور بالجوع. ولكن إذا حدثت أي اضطرابات في هذه العملية، فإن الأشخاص قد يشعرون بالجوع الشديد حتى بعد تناول الطعام، مما قد يزيد من خطر السمنة.
الأدمغة البشرية حظيت أيضًا بنصيب كبير من هذه الأبحاث. التشابه بين آلية عمل الفئران وآلية عمل البشر يمكن أن يغير من فهمنا للسمنة والوزن الزائد. في الماضي، كانت السمنة تعتبر نتيجة مباشرة لقرارات فردية تتعلق بالتغذية، ولكن هذه الأبحاث تشير إلى أن هناك عوامل فسيولوجية تلعب دورًا محوريًا في ذلك. هذه النتائج قد تعيد توجيه النقاشات حول كيفية معالجة السمنة، مما يستدعي اهتمامًا بخيارات معالجة تؤخذ في الاعتبار الفروقات البيولوجية.
نظرية الوزن المحدد: الأسس العلمية لتوازن الوزن
تتشابك نظرية الوزن المحدد مع ما تم اكتشافه حول كيفية تنظيم الشهية في الجسم. افترض البعض أن الأشخاص لديهم وزن معين يسعون للحفاظ عليه، والذي تحدده العوامل الجينية والبيئية. تكمن فكرة هذه النظرية في أن الجسم يمتلك آليات فسيولوجية تعمل على الحفاظ على الوزن ثابتًا، حيث يتحرك النظام الإنساني بحساسية للتغيرات الطفيفة في المدخول الغذائي.
حيث يمكن أن يفسر هذا استجابة الجسم لزيادة الوزن أو فقدانه. على سبيل المثال، عند تناول كمية طعام أكبر من المعتاد، قد تطلق أعضاء الجسم هرمونات للتأكيد على الشبع، ولكن إذا كانت هذه الآليات غير فعالة، قد يتفاقم شعور الجوع مما يؤدي للإفراط في تناول الطعام.
من خلال النظرية، يتمكن العلماء من ربط النتائج المعروضة من خلال الأبحاث العصبية إلى سلوكيات مانعة للسمنة. الأبحاث تشير إلى أن مستوى البروتين المعروف باسم BDNF كان له دور في تنظيم الشهية خلال السلوكيات الغذائية المختلفة. مما يزيد من أهمية الأبحاث العميقة حول سبل معالجة السمنة عبر فهم الجوانب الفسيولوجية.
البحث المستقبلي: كيفية تأثير العواطف على الشهية
بغض النظر عن التعقيدات البنيوية والبيولوجية للسمنة، فإن هناك أيضًا جوانب عاطفية تتطلب البحث حتى نفهم بشكل كامل كيفية تأثيرها على الشهية. بعض الدراسات تحث على استكشاف كيف يدخل القلق والاكتئاب في دائرة التنظيم هذه، وكيف تؤثر على خلايا الدماغ المسؤولة عن الشهية.
لدى الاهتمام بتفاصيل مثل التواصل بين العواطف والشهية، يتزايد الوعي بضرورة العمل على تطوير علاجات تشمل الجوانب النفسية والسلوكية. على سبيل المثال، قد تسهم البرامج العلاجية التي تتعامل مع الصحة النفسية في دعم الأفراد الذين يعانون من الإفراط في تناول الطعام بسبب القلق.
في النهاية، من الواضح أن البحث المستمر في هذا المجال يوفر رؤى جديدة حول طريقة عمل الأنظمة البيولوجية والنفسية للشخص. على الرغم من أن الأبحاث الحالية تدور حول الفئران، إلا أن الفهم الأعمق لكيفية عمل العوامل العصبية في البشر قد يفتح آفاق جديدة لعلاج السمنة.
رابط المصدر: https://www.livescience.com/health/neuroscience/these-3-neurons-may-underlie-the-drive-to-eat-food
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً