ملخص لحلقة: مدننا لم تصمم للبشر مع صالح الهذلول | بودكاست فنجان

تدور هذه الحلقة من برنامج “فنجان” حول موضوع العمارة وتصميم المدن العربية الإسلامية، حيث يستضيف عبد الرحمن أبو مالح الدكتور صالح الهدرول، أستاذ وباحث في مجال العمارة. يتناول الحوار الفروق بين المدن الإسلامية التقليدية ومدن العصر الحديث، مستعرضاً كيف تأثرت العمارة بالقيم الدينية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية. يركز النقاش على المدينة المنورة كمثال للمدينة التقليدية، وكيف أن تصميمها بُني على قيم مثل خصوصية الجار والتشريعات العمرانية المستمدة من الدين، ويقارن ذلك بالتطورات المعمارية في السعودية، والتي شهدت انتقالاً سريعاً نحو النمط الحديث. يتطرق الحديث أيضاً إلى المشاكل الناجمة عن التخطيط العمراني الحديث، وكيف أن القيم الإنسانية التي كانت تحكم تصميم المدن قد تراجعت أمام الأنظمة الجديدة التي تركز على الكفاءة والتقنيات الحديثة. وفي ختام الحلقة، يتم التأكيد على ضرورة استعادة المبادئ الأساسية التي قامت عليها المدن العربية الإسلامية لضمان تلبية احتياجات الإنسان في المدن الحديثة.

الشخصية المعمارية للمدن الإسلامية

تعتبر الشخصية المعمارية للمدن الإسلامية جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية والدينية للمجتمعات الإسلامية. هذه الهوية تعكس القيم والمبادئ الدينية والاجتماعية التي تشكلت عبر العصور. فالمدينة الإسلامية التقليدية كانت تُبنى وفقاً لمبادئ دينية واجتماعية صارمة، إذ كانت تُعبر عن ترابط المجتمع وتلاحمه من خلال تخطيطها المعماري. الطرق الضيقة والمتعرجة التي تُميز المدن الإسلامية القديمة كانت تُعزز من انتماء الأفراد إلى مجتمعاتهم، حيث كانت تخلق بيئة يشعر فيها الفرد بالحميمية والقرب من الآخرين. مثلاً، حُرمت المساكن من فتح نوافذ تُطل على جيرانهم، انطلاقاً من قيمة الخصوصية، مما أسهم في بناء مجتمعات مترابطة تضمن احترام خصوصيات الأفراد.

عندما ننظر إلى المدينة المنورة كأحد النماذج الأولى للمدن الإسلامية، نجد أنها قد بُنيت حول المسجد النبوي، الذي كان بمثابة القلب النابض للمدينة. البيوت كان يتم بناؤها بالقرب من المسجد، مما يسهل على الناس الذهاب للصلاة والتواصل الاجتماعي. هذا التخطيط العمراني لم يكن مجرد تنظيم حضري، بل كان يعكس القيم الإسلامية من حيث أهمية الصلاة والتواصل بين الجيران. كما كانت المدينة تُعبر عن مفهوم ‘الفناء’، حيث كانت البيوت تُفتح على المساحات المشتركة، مما يعزز من التفاعل الاجتماعي بين السكان.

مع مرور الوقت والتطورات الحضرية الحديثة، شهدت المدن الإسلامية تغيرات جذرية، حيث بدأت بعض هذه القيم تتلاشى. مثلاً، في المدن الحديثة مثل الرياض، أصبح هناك غياب واضح للشخصية المعمارية التقليدية، حيث وهيمنت النمط المعماري الحديث الذي يعتمد على المساحات الواسعة والطرق السريعة. هذا التغيير أثر على الاتصال الاجتماعي والترابط بين الجيران، حيث أصبح السكن في هذه المدن أكثر عزلة، مما ساهم في شعور الأفراد بالغربة. القيم التي كانت تُعزز من الهوية الإسلامية بدأت تتلاشى، وهذا ما يتطلب إعادة النظر في كيفية تخطيط المدن المستقبلية لضمان أن تعكس هذه التخطيطات الهوية الثقافية للمجتمع.

التحولات العمرانية في المدينة المنورة

تاريخ المدينة المنورة يعكس تحولًا عميقًا في التخطيط العمراني، بدءًا من فترة ما قبل الهجرة عندما كانت المدينة مجموعة من الأحياء المتناثرة التي تفتقر إلى الترابط. هذه الأحياء كانت تُعتمد على الزراعة، حيث كانت الواحة مصدر الحياة الرئيسي. بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بدأ التحول الجذري في تخطيط المدينة. فقد وحدت الهجرة المسلمين من مكة والمدينة، وانطلقوا لبناء مجتمع جديد قائم على المبادئ الإسلامية.

بناء المسجد النبوي كان أولى الخطوات في هذا التحول، حيث أصبح المسجد مركز الحياة الاجتماعية والدينية. المسجد لم يكن مجرد مكان للصلاة، بل كان أيضًا نقطة انطلاق لكل الأنشطة اليومية. بعد بناء المسجد، بدأ المسلمون في بناء منازلهم حوله، مما ساهم في تشكيل تخطيط المدينة. هذا النمط لم يكن مجرد تخطيط عشوائي، بل كان مدروسًا بعناية ليعكس الروابط الاجتماعية والدينية بين السكان. هذا التخطيط العمراني شكل هوية المدينة المنورة كأول مدينة إسلامية وتمثيلًا حقيقيًا للقيم الإسلامية.

التحولات التي طرأت على المدينة المنورة لم تقتصر على التخطيط العمراني فحسب، بل شملت أيضًا القوانين والتشريعات التي تحكم البناء والتخطيط. فعلى سبيل المثال، كان هناك تشريعات تحظر بناء المنازل بطريقة تُعيق رؤية الجار أو تمنع وصول الضوء والهواء. هذه التشريعات كانت تجسد القيم الإسلامية في الخصوصية والاحترام المتبادل بين الجيران. وبالتالي، فإن المدينة المنورة كانت تُعتبر نموذجًا للتخطيط العمراني الذي ينسجم مع القيم الإسلامية، ويعكس الروح الحقيقية للمجتمع المسلم.

العمارة الحديثة في المدن السعودية

مع التحولات السريعة التي شهدتها المدن السعودية، بدأت العمارة الحديثة تتجه نحو نماذج جديدة من التخطيط، مما أعطى المدينة طابعًا مختلفًا تمامًا عن المدينة الإسلامية التقليدية. هذه التحولات كانت مدفوعة بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المملكة، بالإضافة إلى الطفرة العمرانية التي جاءت نتيجة للخطط التنموية الكبرى.

في الرياض، شهدت المدينة انتقالًا من الطابع التقليدي إلى الطابع الحديث، حيث تم التركيز على بناء الأحياء السكنية الكبيرة والشوارع الواسعة. هذا النمط الجديد من التخطيط لم يكن دائمًا إيجابيًا، إذ غالبًا ما أدى إلى تراجع القيم الإنسانية التي كانت تُعزز من الترابط الاجتماعي والخصوصية. فقد أصبحت البيوت بعيدة عن بعضها، مما ساهم في شعور السكان بالعزلة. النمط الحديث من العمارة استخدم التقنيات الحديثة والمواد الجديدة، لكن في الكثير من الأحيان كانت هذه التصميمات تفتقر إلى التفكير في الهوية الثقافية للمجتمع.

على عكس المدن القديمة، حيث كانت الخصوصية جزءًا لا يتجزأ من التصميم، نجد أن العمارة الحديثة غالبًا ما تتجاهل هذه القيم. مثلاً، الشرفات والنوافذ الكبيرة التي تُطل على الشوارع قد تُعتبر شكلًا جماليًا، لكنها تؤثر سلبًا على الخصوصية. ومع تزايد عدد السكان، أصبح هناك ضغط كبير على البنية التحتية، مما يتطلب إعادة النظر في كيفية تصميم المدن بحيث تُعيد إحياء القيم الإنسانية وتضمن العيش الكريم للمواطنين.

التحديات المستقبلية في العمارة والتخطيط الحضري

كجزء من التحديات المستقبلية التي تواجهها المدن العربية والإسلامية، يتعين على المخططين والمهندسين المعماريين التفكير بشكل أعمق في كيفية دمج القيم الإنسانية والدينية في التصميمات المعمارية. فالمستقبل يحتاج إلى مدن تُعزز من الروابط الاجتماعية بين الأفراد، وتُوفر بيئات معيشية صحية ومريحة. يجب أن تُعكس العمارة الحديثة المبادئ الإسلامية في الخصوصية والترابط، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات التكنولوجية والبيئية.

التخطيط الحضري المستدام سيكون أحد المفاتيح الرئيسية لتحقيق هذا الهدف. فبناء مجتمعات تتسم بالتوازن بين المساحات الخضراء والمناطق السكنية والتجارية سيُسهم في تحسين جودة الحياة. يجب أيضًا النظر في أهمية وسائل النقل العامة، حيث يمكن أن تساهم في تقليل الاعتماد على السيارات وتخفيف الازدحام، مما سينعكس إيجابًا على البيئة ويُعزز من الروابط الاجتماعية بين السكان.

إن القدرة على استيعاب التغيرات السريعة التي تطرأ على المدن، مع الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية، ستكون تحديًا كبيرًا للمخططين. لذا، يتطلب الأمر التعاون بين المخططين والمهندسين المعماريين والمجتمعات المحلية لضمان أن تعكس العمارة الحديثة قيم المجتمع وتلبي احتياجاته.

التحولات العمرانية في المدن العربية

تُعاني المدن العربية، وخاصة الكبرى منها، من تحديات عدة تتعلق بتخطيطها العمراني. يتجلى ذلك في الازدحام المروري وفقدان الهوية المعمارية، مما ساهم في شعور السكان بالعزلة والانفصال عن محيطهم. كانت المدن التقليدية تتميز بتصميمها الذي يسهل التنقل مشيًا، حيث كانت المساجد والأسواق قريبة من الأحياء السكنية، مما يتيح تفاعلاً اجتماعيًا أكبر. في المقابل، فإن العديد من المدن الحديثة تعتمد على نمط التخطيط الأفقي الذي يتطلب استخدام السيارات، مما يزيد من الازدحام ويقلل من المساحات العامة المخصصة للمشاة.

على سبيل المثال، في الرياض، شهدت الأحياء الجديدة ازديادًا ملحوظًا في عدد السيارات، مما أدى إلى تفشي ظاهرة الازدحام المروري. هذا الازدحام ليس فقط ناتجًا عن زيادة عدد السيارات، بل أيضًا بسبب تصميم الطرق الذي يعزز من الاعتماد على السيارة كوسيلة تنقل رئيسية، مما يُعقد من إمكانية الوصول إلى المساجد والأسواق والمرافق العامة. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر هذا النمط على التفاعل الاجتماعي، حيث يجد الكثير من السكان صعوبة في التواصل مع جيرانهم أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية.

تعتبر الأمثلة المتعددة من المدن الأخرى كجدة والدمام، ونمط التخطيط العمراني الذي تم اعتماده، بمثابة دراسات حالة يمكن الاستفادة منها. من الضروري أن يتم الاستفادة من التجارب الناجحة وإعادة التفكير في كيفية تطوير المدن العربية بأسلوب يضمن راحة السكان وسهولة حركتهم. يجب أن يكون هناك توازن بين التخطيط الحديث والاهتمام بالتراث العمراني، وذلك لضمان استدامة الهوية الثقافية للمدن.

التكيف مع التحولات الجديدة

يعتبر التكيف مع التغيرات العمرانية الجديدة أمرًا ضروريًا، خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة التي نشأت في بيئات حضرية حديثة. بينما كانت الأجيال السابقة تواجه صعوبة في التكيف مع تلك التغيرات، فإن الجيل الحالي ينشأ في بيئات باتت طبيعتها جزءاً من حياته اليومية. هذا التفاوت في التجربة بين الأجيال يمكن أن يؤثر على العلاقات الاجتماعية والمشاعر المرتبطة بالانتماء إلى المكان.

على سبيل المثال، قد يجد الأفراد من الأجيال السابقة صعوبة في التكيف مع نمط الحياة الجديد الذي يتطلب الاعتماد على السيارات للتنقل، في حين أن الأجيال الأحدث قد تجد ذلك طبيعيًا. هذا الاختلاف في التجربة يمكن أن يؤدي إلى شعور بالاغتراب لدى الأجيال الأكبر سنًا، حيث يشعرون بأنهم قد فقدوا جزءًا من هويتهم الثقافية والاجتماعية بسبب التحولات العمرانية.

لذا، من المهم أن يتم دمج عناصر من التصميم التقليدي في التخطيط العمراني الحديث، مما يتيح الفرصة للاحتفاظ بالهوية الثقافية وتعزيز الشعور بالانتماء لدى السكان. ينبغي أن يتضمن ذلك تصميم مساحات عامة مشجعة على النشاطات الاجتماعية والمشي، وكذلك توفير مرافق قريبة من المناطق السكنية، مما يسهل التفاعل الاجتماعي ويعزز من الترابط بين السكان.

التحديات في خطط التنمية العمرانية

تشير التحديات التي تواجه خطط التنمية العمرانية في المدن العربية إلى ضرورة إعادة النظر في كيفية التعامل مع المساحات الحضرية. العديد من المشاريع العمرانية الكبرى غالبًا ما تكون متأثرة بالقرارات المركزية التي لا تعكس واقع احتياجات السكان الفعلية. يجب أن تتصف خطط التنمية بالمرونة والتجاوب مع متطلبات المجتمع، وليس فقط تلبية المتطلبات الشكلية أو التقليدية.

على سبيل المثال، يمكن أن تكون هناك مشاريع تهدف إلى تحسين البنية التحتية، لكن دون النظر إلى كيف ستؤثر هذه المشاريع على الحياة اليومية للسكان. قد يتم إنشاء طرق جديدة أو مراكز تجارية ضخمة، ولكن إذا لم يتم التفكير في كيفية تأثير هذه المشاريع على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للسكان، فإنها ستفشل في تحقيق أهدافها التنموية.

لذا، من الضروري أن يتم إشراك المجتمع في عملية التخطيط العمراني، من خلال تنظيم ورش عمل وندوات تشجع المواطنين على التعبير عن احتياجاتهم وأفكارهم. يجب أن تكون التنمية العمرانية شاملة وتضمن تلبية احتياجات جميع الفئات، بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفًا. هذه العملية ستساهم في تعزيز الثقة بين المواطنين والسلطات المحلية وتخلق بيئة حضرية أكثر ملاءمة للعيش.

التوازن بين الماضي والمستقبل

يمثل التوازن بين الماضي والمستقبل تحديًا كبيرًا في عملية التخطيط العمراني. بينما تسعى المدن إلى التحديث والتطور، يجب أن يتم مراعاة القيم والمعايير الثقافية التي تشكل جزءًا من هوية المجتمع. إن القراءة العميقة لتاريخ المدن يمكن أن توفر رؤى قيمة حول كيفية تطويرها بطريقة تحترم تراثها.

هناك أمثلة ناجحة في مدن عالمية حيث تم دمج عناصر من العمارة التقليدية في التصاميم الحديثة، مما ساعد في الحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز الشعور بالفخر والانتماء بين السكان. في حين أن هناك من يفضل الابتعاد عن الماضي بالكامل، إلا أن العديد من المفكرين يؤكدون على أهمية الاستفادة من دروس التاريخ. يجب أن تكون هناك مساحة للحوار بين الأجيال المختلفة حول كيفية التعامل مع هذا التوازن.

يمكن أن يُعتبر حي السفارات في الرياض مثالًا جيدًا على كيفية دمج التصاميم المعاصرة مع الاعتبارات الإنسانية. بفضل التخطيط المدروس، تم توفير مساحات خضراء ومناطق مشي، مما يعزز من جودة الحياة للسكان. ومع ذلك، فإن تحقيق ذلك يتطلب التزامًا من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والمطورين والمجتمع المدني.

تم تلخيص الحلقة بإستخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent