في عالم الأكاديميا الذي بات يتجه نحو تعزيز المساواة بين الجنسين، لا تزال التحديات قائمة أمام الأمهات المرضعات. تتناول هذه المقالة قصة كولين سوليفان، عالمة النفس التنموي، التي واجهت عقبات متعددة بين مسؤولياتها كأم وكونها أكاديمية. من خلال تجربتها، نستكشف كيف تؤثر السياسات الحالية على دعم الأمهات، خاصةً في سياق الرضاعة الطبيعية، والتي تُعد من الأمور الصحية الحيوية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. بالرغم من الجهود المبذولة لتوفير بيئة داعمة، يظل هناك ثغرات في العناية اللازمة التي تتطلبها الأمهات الأكاديميات، مما يضع عبئًا إضافيًا على عاتقهن. تتناول المقالة أيضًا المبادرات العالمية الرامية إلى تحسين الدعم للأمهات ولعائلاتهن في بيئات العمل الأكاديمية، وكيف يمكن تغيير الثقافة الأكاديمية لتكون أكثر احتواءً ودعماً للأمهات العاملات.
تحديات الأمهات العاملات في الأوساط الأكاديمية
تواجه الأمهات في مجال الأوساط الأكاديمية العديد من التحديات التي تؤثر على مسيرتهن المهنية ورفاهيتهن الخاصة. من خلال تجربة كولين سوليفان، عالمة النفس التنموي، تتضح تلك التحديات بشكل جلي. بعد ولادة طفلها الأول، وجدت سوليفان نفسها تتحمل عبء العمل الأكاديمي، بالإضافة إلى متطلبات الأمومة، بينما كانت تستمر في تأمين ثدييها بين الحصص الدراسية. مثل هذه الظروف تمثل صورة حقيقية للضغوط والمتاعب التي تواجهها الأمهات في المجال الأكاديمي. حيث أن العديد من الأمهات قد يردن العودة إلى العمل مبكرًا لأسباب مختلفة، مثل الدخل أو الحفاظ على موقفهن المهني، مما يضعهن في وضع حرج بين الالتزامات العائلية والمهنية.**
تظهر المعوقات أيضًا من خلال الثقافة السائدة في الأوساط الأكاديمية، حيث تُعتبر التضحيات الشخصية في سبيل العمل أحد ضروريات التقدم المهني. تعاني الأمهات من صعوبة التوازن بين الالتزامات الأكاديمية ورعاية الأطفال، مما قد يؤدي إلى قلة الفرص وتقديرات خاطئة حول التزامهن وقدرتهن على الأداء. هذا الواقع يعكس تحديات بيئة العمل التي تفتقر إلى دعم كافٍ للأمهات، مما يساعد على خسارة الكثير من талантهم المحتمل.
أهمية الرضاعة الطبيعية ودورها في الصحة العامة
الرضاعة الطبيعية تلعب دوراً حيوياً في تعزيز صحة الطفل والأم على حد سواء. توصي منظمة الصحة العالمية بأن تقوم الأمهات بإرضاع أطفالهن حصرياً لمدة ستة أشهر، مع مواصلة الرضاعة غير الحصرية حتى بلوغ الطفل عامين. تشير الأبحاث إلى أن الرضاعة الطبيعية تُعتبر من أكثر التدابير فعالية من حيث التكلفة لتعزيز صحة المجتمع بأسره. على الرغم من ذلك، فإن نصف الأمهات فقط حول العالم يحققون هذه الأهداف. يبرز هذا التناقض الحاجة الملحة لتوفير الدعم الكافي للأمهات، سواء في البيئة المنزلية أو بيئات العمل.
تعاني بعض الأمهات من مجموعة من العوائق التي تمنعهن من الاستمرار في الرضاعة الطبيعية، سواء كانت ثقافية أو هيكلية. فبعض الأمهات يفتقدن للدعم اللازم، بينما تعيش أخريات في دول حيث يعتبر تغذية الأطفال بالحليب الصناعي هو السائد. بالإضافة إلى ذلك، يُقبل بعض الأمهات على اتخاذ قرار عدم الرضاعة نتيجة لرغبات شخصية، وهذا القرار يجب أن يُقبل ويُدعم أيضاً. من الضروري أن تعمل المؤسسات الأكاديمية وغيرها على تقديم الدعم للأمهات من خلال إنشاء بيئة تشجع على الرضاعة الطبيعية.
السعي لتحقيق التكافؤ بين الجنسين في بيئة العمل الأكاديمية
رغم التقدم الذي أُحرز نحو تحقيق التكافؤ بين الجنسين في الأوساط الأكاديمية، لا تزال هناك الكثير من السياسات والممارسات التي تعيق ذلك. تعكس نتائج مسوح نظمتها منظمات مثل “أمهات في العلوم” (MIS) أن الأمهات العاملات في الأكاديميا غالباً ما يُحرمون من الفرص وترتيبات العمل المناسبة. هذه التجارب تعكس ظاهرة تُعرف باسم “التسرب في الأنبوب”، حيث تغادر النساء والأقليات المهمشة من مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بمعدلات أعلى مقارنة بالرجال البيض. ولذلك، من المهم توفير سياسات مرنة وداعمة للعائلات وخاصة للأمهات في مكان العمل، مما سيؤدي بدوره إلى تعزيز مشاركة المرأة ومساهمتها في البحث الأكاديمي.
تعتبر إجازة الأمومة المدفوعة من الجوانب الأساسية التي يجب أن تتوفر، حيث سيساعد ذلك في تغطية احتياجات الرضاعة الطبيعية ودعم الأمهات خلال بداية رحلتهن في الأمومة. ومع أن بعض الجامعات توفر إجازات مدفوعة للأبوة والأمومة، فإن الاعتماد على لجان العمل الأكاديمية لتحقيق تغييرات في السياسات ضروري لمواجهة هذه المعوقات وتحقيق التوازن بين التزامات العمل والأسر.
استراتيجيات وتحسينات لدعم الأمهات العاملات
تتطلب معالجة التحديات التي تواجه الأمهات في الأوساط الأكاديمية اتخاذ إجراءات ملموسة. تشمل هذه الإجراءات توفير مزيد من الإجازات مدفوعة الأجر، غرف للرضاعة الطبيعية، وتمويل مرن يراعي احتياجات الأسر. كما يُعتبر الوعي بأهمية الصحة النفسية للأمهات عاملاً مهماً. حيث تساهم الإجراءات التي تركز على احتياجات الأمهات في خلق بيئة عمل إيجابية تشجع الموظفات على النجاح والازدهار.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر تعزيز ثقافة العمل المنصف سبباً رئيسياً لنجاح هذه الاستراتيجيات. كلما زادت المرونة المهنية وتقدير جهود الأمهات في المجال الأكاديمي، زادت فرصهن في الاستمرار وتطوير مهاراتهن. لذا، يجب على الجامعات والمؤسسات العلمية التركيز على توفير بيئات عمل تؤمن للسيدات والمجتمعات الأسرية القدرة على النجاح، مما سيؤدي في النهاية إلى وفرة الفرص للمهنيين المستقبليين.
حقائب الأمومة في أماكن العمل
إن توفير بيئات عمل ملائمة للأمهات العاملات يمثل قضية ملحة ومنتشرة في العديد من المجالات. بينما تقدم بعض المؤسسات فترات إجازة مناسبة للأمهات، يصبح من الضروري أيضًا توفير الدعم للأمهات اللاتي يفضلن أو يضطررن للعودة إلى العمل بعد الإنجاب. ووفقًا لمؤسسة GBC، نجد أن واحدة من بين كل خمس دول فقط تنص على فترات رضاعة مدفوعة الأجر ومساحات مخصصة لذلك. الأمر الذي أدى إلى أن تشارك الأمهات حول العالم تجاربهن في التعبير عن حليب الثدي في مكاتبهن، أو في زوايا المختبرات، أو حتى في سياراتهن أو خزائن التخزين. هذا الواقع يعكس تحديات مهنية وجسدية كبيرة تواجه النساء أثناء موازنة أدوارهُن كأمهات وأدوارهُن كمختصات ومهنيات في مجالات علمية.
مثال على ذلك، نيكول بريدجز، باحثة اتصالات في جامعة غرب سيدني، والتي تطوعت مع جمعية الأمهات المرضعات الأسترالية (ABA) التي تدير برنامج اعتماد للأماكن الصديقة للرضاعة الطبيعية. تتطلب المتطلبات الأساسية للاعتماد أن يكون لدى المؤسسات سياسات تسمح بمرونة الوقت وفترات الرضاعة، إضافة إلى توفير غرف ملائمة للتعبير عن الحليب أو الرضاعة. وخلال السنوات الأخيرة، حصلت حوالي 40 مؤسسة تعليمية ومركز صحي في أستراليا على هذا الاعتماد، وهو ما يعكس إمكانات تحسين بيئات العمل لدعم الأمهات.
التحديات في الأعمال الميدانية
تعتبر الأبحاث الميدانية جزءًا أساسيًا من العديد من التخصصات العلمية، ومع ذلك، فإن الدعم الخاص بالرضاعة الطبيعية في هذه البيئات يعد نادراً. تجارب مثل تلك التي مرت بها جيسيكا طومسون، عالمة الأنثروبولوجيا البيولوجية في جامعة ييل، تظهر التحديات المرتبطة بالتوازن بين المهام الميدانية ورعاية الأطفال. على الرغم من أن العمل الميداني يعتبر جزءًا من الهوية العلمية، فإن الأمور اللوجستية والمالية تلعب دورًا محوريًا، كما تبين الاستطلاعات الأولية التي أجرتها طومسون والتي أظهرت أن هذه العوامل هي ما يمنع الأمهات من الانخراط في الأعمال الميدانية.
تجارب أخرى كذلك تُظهر الاحتياجات والدروس المستفادة من محاولة التوازن بين العمل والرضاعة. فمثلاً، عانت فيرونيكا لوروا لوزانو، عالمة الإيكوتوكسيكولوجي، من تحديات مشابهة عندما اضطرت للاستثمار من جيبها الخاص لنقل أسرتها إلى موقع بعيد للبحث. وبالرغم من صعوبات الأمر، فإن وجود أطفالها في المواقع البحثية ساعدها على خلق الفرص وتوسيع آفاقها وتحقيق تواصل مجتمعي أعمق.
الدروس المستفادة من الدول الاسكندنافية
تقدم الدول الاسكندنافية مثل السويد والدنمارك وآيسلندا أمثلة واضحة على فوائد السياسات الصديقة للعائلة. تتيح السويد للآباء إمكانية أخذ إجازات مدفوعة تصل إلى 480 يوماً لكل طفل، فضلاً عن إمكانية تقليل ساعات العمل. تعتبر هذه السياسات من العوامل الرئيسية التي تُعتبر عاملاً مؤثراً في ارتفاع معدلات الرضاعة الطبيعية في هذه الدول بحيث تجاوزت المعدلات العالمية. إن الاستثمار في صحة الأم والطفل والعائلة قد ثبّت فعاليته على مر الزمن، والتأكيد هنا على أهمية الخيارات والدعم الفعال الذي توفره هذه السياسات.
تُظهر تجارب الباحثين أن من الممكن خلق بيئات عمل تلبي احتياجات الأمهات الجدد، مما يسهم في تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة للأسرة. من خلال تبادل المعرفة وتبادل التجارب، يمكن تحسين المشهد الأكاديمي والمهني ليكون أكثر دعماً للأمهات العاملات. لقد بنت آمي براون، الباحثة في مجال الصحة العامة، تجاربها الخاصة على أساس هذه المبادئ، مشيرة إلى أنه عند وجود سياسات دعم فعالة، يتبع ذلك ثقافة قبول تدعم المرأة العاملة.
الموارد التمويلية للعلماء العاملين
تُعتبر الموارد التمويلية من العناصر الأساسية التي تسهم في معالجة التحديات التي تواجهها الأمهات في مجالات العلوم. تتوفر مجموعة من الزمالات والمساعدات المالية التي تستهدف دعم النساء والعلماء الذين يعودون إلى العمل بعد فترات انقطاع. على سبيل المثال، زمالة M. Hildred Blewett التي تدعم النساء في الفيزياء في الولايات المتحدة وكندا، وزمالة Daphne Jackson Trust التي تقدم التمويل والتدريب لكل عالم في المملكة المتحدة. هذه الفرص تُظهر إمكانية توسيع نطاق السبل لدعم العلماء أثناء عودتهم إلى العمل.
علاوة على ذلك، تقدم الجمعية الوطنية الجغرافية الأموال الذي يمكن استخدامها لتغطية رعاية الأطفال، مما يوفر للعلماء العاملين ما يحتاجون إليه لتحقيق التوازن بين مسؤولياتهم المهنية والعائلية. إن دعم البحث العلمي يعكس التقدم في تشكيل بيئات عمل تفهم احتياجات العاملين، مما يمكّنهم من العودة إلى مسيرتهم المهنية دون التفريط في جانب الرعاية الأسرية.
رابط المصدر: https://www.nature.com/articles/d41586-024-03440-z
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً