في قلب واحة الخيبر بالمملكة العربية السعودية، تم اكتشاف بلدة صغيرة تعود إلى العصر البرونزي وتُعرف باسم “النطاح”. تكشف الأبحاث الجديدة أن هذه settlement التي نشأت قبل 4400 عام ربما لم تشهد نفس مستوى التحضر الذي شهدته الحضارات المعاصرة في مصر وكُردستان، مما يفتح بابًا لفهم أعمق حول تطور المجتمعات البشرية في شبه الجزيرة العربية. على مساحة تُقدّر بـ 1.5 هكتار، تضم “النطاح” آثارًا مثيرة للاهتمام، مثل المباني السكنية والمدافن، وتبرز نتائج هذا البحث الفريد تناقضات مثيرة حول كيفية انتقال المجتمعات من حياة الرعي إلى التجمعات المستقرة، وكيف أن طبيعة الحياة بعد 2400 قبل الميلاد كانت تسير بوتيرة مختلفة. في هذا المقال، سنتعمق أكثر في تفاصيل هذا الاكتشاف ونستعرض التطورات الاجتماعية والبيئية التي ساهمت في تشكيل هذه البلدة القديمة.
اكتشاف موقع الــ “النتاح” في عُمره 4400 عام
موقع “النتاح” هو مستوطنة تعود للعصر البرونزي تم اكتشافها بالقرب من مدينة العلا في منطقة الحجاز بالمملكة العربية السعودية. يغطي الموقع مساحة تقدر بحوالي 1.5 هكتار، ويضم منطقة مركزية ومنطقة سكنية مجاورة محاطة بأسوار دفاعية. يعود تاريخ استيطان هذا المكان إلى حوالي 2400 قبل الميلاد، ويبلغ عدد سكانه حوالي 500 شخص، مما يبين أن هذه المستوطنة كانت صغيرة مقارنة بالعواصم الكبرى في ذلك الزمن مثل مصر وبلاد الرافدين. أثبت الفريق البحثي أن هذه المستوطنة تحتوي على مجموعة من الأدوات الفخارية وأحجار الطحن، بالإضافة إلى بقايا لأكثر من 50 مسكناً يحتمل كونها مبنية من المواد الطينية.
ليس هناك دليل على وجود الكتابة في الموقع حتى الآن، ولكن وفقاً لما هو معروف من مواقع أخرى، من المحتمل أن يكون سكان “النتاح” قد زرعوا بعض المحاصيل الزراعية بالقرب من الموقع. تندرج المباني في المنطقة المركزية تحت فئتين، حيث تم التعرف على اثنين من المباني التي قد تكون قد استخدمت لأغراض إدارية. اكتشف الباحثون أيضاً مقبرة في الجزء الغربي من المنطقة المركزية تحتوي على قبور دائرية مرتفعة تسمى “قبور الأبراج المتدرجة”.
في بحثهم، أكد الفريق على أن المستوطنة كانت محاطة بسور يمتد لحوالي 14.5 كيلومتراً، والذي كان يحميها من الغزوات التي ينفذها البدو الرحل. الرحلة من خلال معرفة تاريخ هذه المنطقة مهمة جداً لفهم كيف تطورت المجتمعات في شبه الجزيرة العربية على مر العصور، وخاصة بالنظر إلى أن العديد من مناطق هذه الجزيرة لم تشهد نمواً حضرياً إلا في مراحل لاحقة مقارنة بالمناطق المجاورة.
التحضر البطيء في شبه الجزيرة العربية
يظهر البحث أن عملية التحضر في شبه الجزيرة العربية كانت بطيئة في المقارنة مع مصر وبلاد الرافدين، حيث كانت المدن الكبرى تتشكل وتتوسع في تلك المناطق في فترات زمنية سابقة. بدءاً من الألفية الرابعة قبل الميلاد، بحث الباحثون في المواقع الأخرى لمتابعة كيفية تطور المجتمعات قبل الوصول إلى مرحلة التحضر. يصف هذا التحول بأنه “تحضر منخفض”، حيث كانت المجتمعات في شمال الجزيرة العربية في مرحلة انتقالية بين الحياة البدوية والزراعة المعقدة.
بينما كان التحضر قد بدأ بالفعل في مصر وبلاد الرافدين خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد، تتبع دراسات متعددة في المنطقة التدريج الذي كان يقوم به سكان “النتاح”، بحيث بدأ التحضر في شبه الجزيرة العربية في النصف الثاني من الألفية الثالثة قبل الميلاد. هذا التحول نحو أسلوب الحياة المستقرة والزراعة على نطاق أكبر يشير إلى أن مجموعة من المجتمعات على الجزيرة كانت تتجه نحو أسلوب الحياة المستدام..
تسلط مثل هذه الاكتشافات الضوء على التباين الكبير بين المجتمعات المختلفة في العالم القديم، حيث كانت المجتمعات في بعض المناطق مثل مصر تمضي قدمًا بينما في مناطق أخرى كانت في مرحلة تكوين أساسيات التحضر. هذا البحث يفتح آفاق جديدة لفهم التدرج التاريخي والنمو الحضري في العالم القديم، خصوصًا في مناطق مثل الحجاز والغربية السعودية.
أهمية الأبحاث الأثرية في الخليج العربي
تسليط الضوء على الأبحاث الأثرية في منطقة الخليج العربي، يجعلنا نفهم كيف أن هذه الدراسات تعكس التنوع الثقافي والتاريخي في تلك المناطق. بدايةً من اكتشافات “النتاح”، نرى أن هناك الكثير من المواقع التي تسجل تاريخاً طويلاً من التطور، وهذا يعكس عراقة المنطقة ويبرز أهميتها الثقافية. لم تقتصر الأبحاث الأثرية على “النتاح” فحسب، بل هناك العديد من المشاريع التي تمت على طول الساحل الغربي للسعودية، مما يعزز تقديرنا عن تلك الحقبة التاريخية.
تكامل البيانات المستخرجة من مواقع مختلفة، مثل موقع “تيماء” و”قريّة”، يوفر رؤى موثوقة حول كيفية عيش الناس في تلك الآونة وطرق تفكيرهم وتفاعلهم. المعلومات التي تم جمعها من هذه المواقع تساهم في رسم صورة أكثر وضوحاً للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في تلك الفترة.
يعتبر العمل الأثري في هذه المناطق من قبل متخصصين مرموقين في علم الآثار أساسيًا في إعادة بناء الفهم المؤرخ لعصور ما قبل التاريخ. إذ يتناول الباحثون ما يحدث في السياقات التاريخية المختلفة لتشكيك أو تأكيد النظريات السابقة حول التطور الحضاري. إن الوصول إلى اكتشافات جديدة دائماً ما يتطلب تبني نهج استكشافي وعلمي، ويحتاج إلى تعاون فرق دولية لإغناء تغطية المعارف المكتسبة.
مراحل الانهيار والتخلي عن “النتاح”
تتحدث الأبحاث عن تخلي سكان “النتاح” عن مستوطنتهم بين 1500 و1300 قبل الميلاد، ولكن الدوافع وراء هذا التخلي لاتزال غير معروفة بشكل دقيق. هذا الغموض في السياق التاريخي يدعو للبحث العميق. قد تشمل الأسباب عوامل اقتصادية، مثل قلة الموارد، أو ربما التغيرات البيئية التي أضعفت المنطقة، وأدت للنزوح من المكان. الفهم الكافي لهذا التخلي يمكن أن يساعدنا في تعزيز المعرفة حول كيفية تفاعل المجتمعات مع التحديات التي واجهتها في ذلك الوقت.
بعض من السيناريوهات المقترحة تتعلق بتدهور البيئة المحيطة، أو الهجمات من المجتمعات المجاورة. من المهم أن نتذكر أن الحياة في ذلك الحين كانت تعتمد على الموارد المتاحة، وأن أي نقص في الموارد يمكن أن يؤدي إلى التخلي عن أولئك الذين يعيشون في تلك المستوطنات. لذا، السيناريوهات التي يرسمها الباحثون تمنحنا السبل لاستكشاف المزيد حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كان يعيشها السكان.
تحقيق الفهم الأفضل لمراحل انهيار مستوطنة “النتاح” تحتاج لمزيد من الأبحاث والتفصيل، مما قد يكشف النقاب عن الأحداث التي وقعت في تلك الأوقات. وبذلك، يوفر لنا البحث الأثري أوضح الطرق لاستيعاب التاريخ المعقد الذي مرت به المنطقة، والآثار المترتبة على العلاقات بين المجتمعات قديماً وكيف كانت تمر بتغييرات درامية تؤثر على مستقبله.
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً