انتشر النرجسية بشكل متزايد في مجتمعاتنا حتى أصبحت ظاهرة تثير القلق والاهتمام. وفقًا لدراسات حديثة، يتبين أن النرجسية ليست مجرد صفة نادرة تُعرف بها قلة من الأشخاص، بل قد تؤثر على واحدة من كل عشرين شخصًا. في الوقت الذي يتداول فيه الشباب هذا المصطلح بشكل غير رسمي، نجد أنه يستخدم لتوصيف العلاقات والعلاقات الأسرية وحتى في بيئات العمل. يتناول هذا المقال الفرق بين نوعين معروفين من النرجسية: النرجسية العظيمة والنرجسية الهشة، وكيف تؤثر كل منهما على سلوك الأفراد وعلاقاتهم بالآخرين. سنستكشف أيضًا كيفية التصرف مع هؤلاء الأشخاص، ولماذا من المهم أن نفحص سلوكنا الخاص في ضوء هذه الديناميات النفسية المعقدة. دعونا نتعمق في عالم النرجسية ونتعرف على علامات التحذير التي قد تشير إلى وجود هذا السلوك في حياتنا اليومية.
ارتفاع نسبة النرجسية في المجتمع
تُعتبر النرجسية ظاهرة اجتماعية متزايدة أصبحت شائعة بشكل متزايد في مجتمعاتنا. تشير الأبحاث إلى أن نسبة الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية تصل إلى واحد من كل عشرين، مما يعني أن احتمال أن يكون لديك معرفة بأحد هؤلاء الأشخاص مرتفع للغاية. تجدر الإشارة إلى أنه ليس كل من يملك صفات نرجسية يعاني من الاضطراب، إذ يمكن أن تظهر هذه الصفات بمستويات مختلفة في حالات مختلفة. على سبيل المثال، يمكن أن نجد أطفالًا في المدارس الابتدائية يتنافسون على انتباه أقرانهم من خلال تسمية بعضهم البعض بالنرجسيين. هذه الظاهرة تعكس تأثير الثقافة الشعبية التي تعكس الصفات النرجسية وتضفي عليها طابعًا موضة شائعًا في المجتمع.
تسهم وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز هذا الاتجاه، حيث يزداد تجسيد النرجسية في مختلف البرامج الترفيهية والمحتويات الرقمية. يرجع ذلك إلى أن النرجسيين غالبًا ما يسعون للاهتمام والإشادة، مما يؤدي إلى زيادة المشاهدات والتفاعلات عبر الإنترنت. يتسبب هذا في تعزيز فكرة تفوق الذات وحق الشخص في التقدير والإعجاب من الآخرين، وهو ما يعكس مقدار تأثير هذه الظاهرة على الأجيال الجديدة.
أنماط النرجسية: النرجسية العظيمة والنرجسية الضعيفة
توجد أنماط متنوعة من النرجسية، منها النرجسية العظيمة التي تتصف بالافتخار والتفاخر. يعتبر الأشخاص الذين يعانون من هذه النمط غالبًا ما يكونون اجتماعيين ومجيدين في التعبير عن أنفسهم. إنهم يشعرون بأنهم يتمتعون بقدرات استثنائية وقدرة على جذب الانتباه من خلال سلوكهم الجريء. من ناحية أخرى، توجد النرجسية الضعيفة، التي تمثل جانبًا أكثر خجلًا وحساسية. هؤلاء الأشخاص قد يظهرون بشكل خارجي كأنهم غير واثقين، لكنهم في الداخل يعانون من قلق شديد بشأن كيفية رؤيتهم من قبل الآخرين.
تظهر الأبحاث أن النرجسيين العظماء يتسمون بمستويات أقل من الشك الذاتي، بينما يسعى النرجسيون الضعيفون بشدة للحفاظ على صورتهم الذاتية. يتميز النرجسيون الضعيفون بمشاعر الانفعال والقلق إزاء التهديدات لصورتهم، مما يؤدي إلى استجابات رعناء تجاه النقد أو الإحباط. تلك الاستجابة تشمل الغضب أو التصرف بطريقة سلبية بشكل غير مباشر من خلال الهدوء العدواني، وهو ما قد يؤثر سلبًا على العلاقات الشخصية والاجتماعية.
في أماكن العمل، يمكن أن يكون للنرجيسيين عواقب سلبية على الديناميكيات الجماعية، حيث أن النرجسيين الضعفاء قد يشعرون بأنهم ليسوا في مرتبة اجتماعية تتناسب مع توقعاتهم. لذا قد يستجيبون بسلوكيات تنم عن الغيرة والانتقام، مما يؤدي إلى بيئة عمل متوترة وغير صحية.
التعرف على النرجسيين وعواقب النرجسية في العلاقات
يعتبر التعرف على النرجسيين تحديًا، خاصة عندما تكون الصفات النرجسية خفية أو تعبيرات غير ظاهرية. يمكن أن يظهر النرجسي الضعيف في البداية كشخص لطيف وغير مهتم بنفسه، لكنه في الحقيقة يسعى لتحصيل الإعجاب في دائرته بشكل غير مباشر. في العلاقات العاطفية، يمكن أن يظهر النرجسي الضعيف على أنه مطيع ومتقبل، لكنه قد يصبح سريع الغضب ويمارس السيطرة بطريقة دقيقة تفتقر للوضوح.
عادةً ما يشعر النرجسيون بأنهم دائمي البحث عن الاستحسان، مما يجعلهم عرضة للخداع والتلاعب العاطفي. في حالة نشوب مناقشات أو مواقف يتعرض فيها النرجسي للانتقاد، قد يلجأ إلى تقنيات التحكم مثل التلاعب بالذنب أو لوم الطرف الآخر، مما يعقد الأمور أكثر ويزيد من التعقيدات في العلاقة. من المهم أن يُدرك الأشخاص الذين يتم التعامل معهم مع شريك نرجسي أنهم قد يحتاجون إلى بناء حدود واضحة للحفاظ على صحتهم النفسية والعاطفية.
يعتبر الافتقار إلى التعاطف من أبرز الصفات المرتبطة بالنرجسية، مما ينجم عنه صعوبة في فهم مشاعر الآخرين. هذه الخاصية تجعل النرجسيين يتفاعلون بطرق تؤذي من حولهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الانتقادات المستمرة والدعوات للإحراج. يمكن أن يؤدي هذا النوع من السلوك إلى مشكلات كبيرة في العلاقات الشخصية، مما يفضي في النهاية إلى تفكك العلاج أو الانفصال.
كيف يمكن التعامل مع النرجسيين؟
يتطلب التعامل مع الأشخاص الذين يظهرون صفات نرجسية استراتيجيات خاصة ومهارات تواصل فعالة. أولًا، يجب تقديم حدود واضحة وشديدة الدقة لتجنب أي تجاوزات. إن تعلم كيفية قول “لا” والتمييز بين المناقشات البناءة وما هو مجرد انتقادات، يعد جزءًا أساسيًا من بناء علاقة صحية. يُنصح بممارسة الحوار المفتوح والصريح مع النرجسيين، مع الحرص على الحفاظ على هدوء الأعصاب خلال المحادثات لحماية النفس.
من المهم أيضًا الابتعاد عن تصعيد الأمور عندما يكون الشخص النرجسي متوترًا أو غاضبًا. يُنصح بأن يتجنب الناس المنخرطون في علاقات مع نرجسيين الدخول في جدالات قد تؤدي إلى الصراع أو التصادم. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعلم عن العلاقات العاطفية الصحية والتواصل الفعّال يمكن أن يكون له تأثير كبير في إدارة مثل هذه العلاقات بطريقة أكثر إيجابية.
توجد استراتيجيات إضافية تساعد في التعامل مع النرجسيين، مثل تحديد الوقت للتفاعل معهم، وضرورة إنشاء شبكة دعم قوية من الأصدقاء أو العائلة لمساعدتكم في البقاء متوازنًا ومحصنًا ضد تأثير الشخص النرجسي. من الناحية النفسية، يُفضل اللجوء إلى المحترفين عند مشاعر الاكتئاب أو الانزعاج المتزايد نتيجة العلاقة مع شخص نرجسي. الدعم الخارجي يمكن أن يكون له تأثير هائل في تعزيز الوعي الذاتي وتحسين الديناميكيات الشخصية.
تفاصيل حول دراسة التعاطف في ظل النرجسية
أظهرت الدراسات الأخيرة التي تناولت موضوع التعاطف والنرجسية أن الأفراد الذين يميلون إلى النرجسية يفتقرون إلى القدرة على التعاطف بشكل كبير. في إحدى الدراسات، تم عرض مقطع فيديو على 88 طالبًا جامعيًا تم تقييم صفاتهم النرجسية، يتناول الفيديو قصة امرأة تدعى “جيني” التي تعرضت لصدمة عاطفية بسبب انقطاع علاقة عاطفية. كان من المثير للاهتمام أنه عندما تم قياس معدلات ضربات القلب لهؤلاء الطلاب أثناء مشاهدة الفيديو، لوحظ أن الطلاب الذين أظهروا صفات نرجسية مرتفعة أبلغوا عن مستويات أقل من التعاطف تجاه جيني، مما يتوافق مع انخفاض في معدل ضربات القلب مقارنة بغير النرجسيين، وهو ما ينم عن عدم استجابة عاطفية متوقعة. ومع ذلك، عندما طُلب منهم تخيل أنفسهم في موقف جيني، حدث تسارع في معدل ضربات القلب لديهم، مما يشير إلى أنهم بمحاولة استيعاب وجهة نظرها أصبحوا متعاطفين على المستوى الفسيولوجي.
تظهر هذه النتائج أن النرجسيين يمتلكون القدرة على التعاطف، لكنهم يختارون عدم استخدامها، خصوصًا إذا كان ذلك يتعارض مع مصالحهم الشخصية. تمثل هذه الديناميكية أحد العناصر الأساسية التي تجعل من النرجسية موضوعًا معقدًا للتحليل النفسي، حيث أن بعض النرجسيين الضعفاء، الذين يسعون بشكل مستمر لتقليل فشلهم، يميلون أكثر إلى القلق والاكتئاب، مما يؤكد على كيفية تأثير النرجسية على الصحة النفسية.
أسباب النرجسية: تأثير التنشئة والتجارب الحياتية
يتساءل الباحثون عن الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع مستويات النرجسية في المجتمع. بينما يُعتقد أن هناك مكونًا وراثيًا في النرجسية، تشير الأبحاث إلى أن التنشئة والتجارب الحياتية تلعب دورًا أكبر في تشكيل هذه الشخصية. تبرز الأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن الأطفال الذين يتم تقديرهم بشكل زائد من قبل والديهم يمكن أن يظهروا في وقت لاحق علامات على النرجسية. على سبيل المثال، الأطفال الذين يحصلون على مدح مستمر من والديهم بكونهم متفوقين على أقرانهم يظهرون ميولًا أكبر نحو النزعات النرجسية.
تُظهر الدراسات أن الأطفال الذين يحصلون على تغذية عاطفية غير متسقة، مثل المدح أحيانًا والانتقاد في أوقات أخرى، يظهرون ميلًا أكبر نحو النرجسية الهشة. هذه النتائج تُظهر كيف يمكن أن تؤدي أساليب التربية المختلفة إلى تشكيل شخصيات نرجسية تتسم بالهشاشة أو القوة. بينما تميل النرجسية المتعالية إلى أن تكون أكثر شيوعًا بين الرجال، تُعتبر النرجسية الضعيفة أكثر شيوعًا بين النساء، مما يُظهر الحاجة إلى مزيد من البحث في هذا الجانب.
كيفية التعامل مع الأفراد النرجسيين: استراتيجيات التغلب
يعتبر التعامل مع الأشخاص ذوي الصفات النرجسية تحديًا كبيرًا. نظرًا لأن النرجسية تُعد جزءًا من شخصية الفرد، فإن تغييرها يبدو صعبًا ولكنه ليس مستحيلًا. من الصعب معالجة الاضطرابات الشخصية مثل النرجسية لأسباب تتعلق بكيفية تكوين الشخصية على مر الزمن. على الرغم من أنه يمكن أن تحدث بعض التغييرات في الصفات الشخصية عبر الزمن، فإن الشخصية النرجسية تميل إلى البقاء ثابتة بسبب الظروف التي يعيشها الفرد على مدى حياته.
تشير الدراسات إلى أن بعض التغييرات الطفيفة في الشخصية يمكن أن تحدث من خلال الانخراط في سلوكيات تهدف إلى تعزيز صفات معينة، مثل التواصل بشكل دوري مع أشخاص جدد لزيادة الانفتاح. ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان الأشخاص الذين يظهرون صفات نرجسية لديهم الرغبة في التغيير. لتحقيق النجاح، يُنصح بتعزيز التعاطف بدلاً من محاولة تقليل النرجسية. يبدو أن الأشخاص النرجسيين يمتلكون القدرة على التعاطف، لذلك يجب توجيه الجهود لزيادة دافعهم لاستخدام هذه القدرة.
يمكن أن تساعد البرامج التي تعيد صياغة التعاطف ليصبح جذابًا للنرجسيين في زيادة إدراكهم لأهمية التعاطف وكيف يمكنه أن يجلب لهم نجاحًا أكبر في مجالات مثل القيادة والأعمال. على سبيل المثال، يمكن إظهار كيفية تلبية احتياجاتهم النرجسية من خلال أعمال اللطف أو الكرم. من المهم أن يكون هؤلاء الأفراد مدركين أن مصالحهم الشخصية قد تتعرض للخطر من خلال سلوكيات أنانية. لكن لتحقيق ذلك، يجب أن تأتي هذه المبادرات من محترفين نفسيين لضمان فاعليتها.
الكشف عن النرجسية الضعيفة: هل تعاني منها؟
يمكن أن تكون النرجسية الضعيفة مرضية في حد ذاتها، وعادة ما يُعاني الأفراد الذين يظهرون صفات تتعلق بها من الشعور بالعار أو القلق عندما يتم انتقادهم. هناك أسئلة يمكن للناس طرحها على أنفسهم لتحديد ما إذا كانوا يعانون من هذه الصفات أم لا. إذا كنت تجد نفسك توافق على معظم البيانات المتعلقة بالنرجسية الضعيفة، مثل الشعور بالإحباط عند عدم تقدير الآخرين لك، أو الحاجة المستمرة للاهتمام الإيجابي، أو عدم وجود إحساس قوي بهويتك، فقد يكون لديك سمات نرجسية هشّة.
يمكن أن يكون تحديد هذه الصفات وإدراك ارتباطها بنمط سلوكك خطوة هامة نحو الفهم الذاتي والتغيير الإيجابي. من الضروري أن يقوم الأفراد بفحص سلوكياتهم وتصوراتهم الشخصية بعمق والإقرار بأن التحسين الشخصي هو عملية مستمرة تتطلب تفهمًا حقيقيًا للأسباب الجذرية لردود أفعالهم الشعورية وتدبيرهم العلاقات الشخصية.
رابط المصدر: https://www.sciencefocus.com/science/how-to-spot-the-covert-narcissists-hiding-in-your-life
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً