اكتشف الآثاريون أدلة جديدة تدعم السجلات الكتابية العبرية عن الحصار وحرق مدينة القدس من قبل البابليين في عام 586 قبل الميلاد، وفقًا لورقة بحث نُشرت في سبتمبر في مجلة العلوم الآثارية.
السياق التاريخي
كانت يهوذا مملكة تابعة لبابل في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، تحت حكم نبوخذ نصر الثاني. لم يكن ذلك مقبولًا لملك يهوذا، يهوياقيم، الذي تمرد ضد ملك بابل في عام 601 قبل الميلاد على الرغم من تحذير النبي إرميا. توقف عن دفع الجزية المطلوبة وتحالف مع مصر عندما حاول نبوخذ نصر (وفشل) غزو تلك البلاد. توفي يهوياقيم وخلفه ابنه يكنيا عندما حاصرت قوات نبوخذ نصر القدس في عام 597 قبل الميلاد. تم نهب المدينة واستسلام يكنيا وترحيله إلى بابل مع جزء كبير من سكان يهوذا. (كتاب الملوك يضع العدد عند 10،000). أصبح عمه زدكيا ملكًا ليهوذا.
الحصار والحرق
تمرد زدكيا أيضًا ضد حكم بابل ورفض دفع الجزية المطلوبة وسعى للتحالف مع الفرعون المصري هوفرا. أدى ذلك إلى حصار قاسٍ استمر لمدة 30 شهرًا من قبل قوات نبوخذ نصر ضد يهوذا وعاصمتها القدس. في النهاية، فاز البابليون مرة أخرى، واخترقوا أسوار المدينة لاحتلال القدس. اضطر زدكيا لمشاهدة قتل أبنائه ومن ثم أصيب بالعمى وتم احتجازه ونقله إلى بابل كأسير. في هذه المرة، كان نبوخذ نصر أقل رحمة وأمر جنوده بتدمير القدس تمامًا وهدم الجدار حولها في عام 586 قبل الميلاد.
الأدلة الأثرية
هناك أدلة أثرية تدعم السجلات التي تشير إلى تدمير المدينة بواسطة النار، جنبًا إلى جنب مع القرى والبلدات القريبة على الحدود الغربية. تم حفر ثلاثة مبانٍ سكنية بين عامي 1978 و 1982 وتبين أنها تحتوي على أعمدة خشبية محترقة تعود إلى حوالي عام 586 قبل الميلاد. وجد الآثاريون أيضًا رمادًا وأعمدة خشبية محترقة من نفس الفترة الزمنية عندما حفروا عدة مبانٍ في موقع جيفاتي لوقوف السيارات، بالقرب من الموقع المفترض لهيكل سليمان. أظهرت العينات المأخوذة من أرضية من الجص تعرضها لدرجات حرارة عالية تصل إلى 600 درجة مئوية.
تحليل الآثار
ومع ذلك، لم يكن من الممكن تحديد ما إذا كانت الحرائق متعمدة أم عرضية، أو من أين بدأت النيران إذا كانت متعمدة بالفعل. لهذا البحث الأخير، ركزت شالوم وزملاؤها على المبنى رقم 100 في موقف جيفاتي لوقوف السيارات. استخدموا تقنية الطيف الأشعة تحت الحمراء المحولة (FTIR) – والتي تقيس امتصاص الضوء تحت الحمراء لتحديد درجة حرارة العينة – وتحليل الآثار المغناطيسية، الذي يحدد ما إذا كانت العينات التي تحتوي على معادن مغناطيسية تم تسخينها بما يكفي لإعادة توجيه تلك المركبات إلى شمال مغناطيسي جديد.
كشف التحليل عن درجات متفاوتة من التعرض للحرارة العالية في ثلاث غرف (تسمى A و B و C) في الطابق السفلي من المبنى 100، مع غرفة C تظهر أوضح دليل. قد يكون هذا دليلاً على أن غرفة C كانت نقطة الاشتعال، ولكن لم يكن هناك مسار للنيران؛ بدا حرق غرفة C معزولًا. استنتج الباحثون من هذه الدراسة ودراسة سابقة في عام 2020 على أجزاء من الطابق الثاني من المبنى أنه تم إشعال العديد من الحرائق في المبنى وأن الحرائق اشتعلت بشكل أقوى في الطوابق العلوية، باستثناء تلك الحريق المحلي الشديد في غرفة C في الطابق الأول.
وأضاف الباحثون أن “عندما يحترق المبنى، يرتفع الحرارة وتتركز أسفل السقف. لذلك، يتم تسخين الجدران والسقف إلى درجات حرارة أعلى من الأرضية”. وتشير وجود الأعمدة المحترقة على الأرضيات إلى أن هذا هو الحال بالفعل: ارتفعت معظم الحرارة إلى السقف، مما أدى إلى احتراق الأعمدة حتى انهيارها على الأرضيات، التي تعرضت بدورها للحرارة المشعة. ولكن من المرجح أن الحطام لم يكن ناتجًا فقط عن هذا الانهيار، مما يشير إلى أن البابليين عادوا بشكل متعمد وهدموا أي جدران متبقية.
وأكدت شالوم لـ New Scientist أنهم “استهدفوا المباني الأكثر أهمية والأكثر شهرة في المدينة”، بدلاً من تدمير كل شيء بشكل عشوائي. “بعد 2600 عام، نحن لا نزال ننوح على الهيكل”.
على الرغم من عدم وجود أدلة على وجود وقود إضافي قد يكون له دورًا في تسريع الحريق، اختتم شالوم وآخرون بأنه “يمكننا أن نفترض أن الحريق تم إشعاله عمدًا بسبب وجوده في جميع الغرف والطوابق في المبنى”، وأن “الأشياء التي تم العثور عليها داخل الغرف تشير إلى وجود مواد قابلة للاشتعال (مواد نباتية وخشبية ومواد بناء) تجعل الوقود الإضافي غير ضروري. وتشير الوجود الواسع لبقايا محترقة إلى تدمير متعمد بالنار… انتشار الحريق وانهيار المبنى بسرعة يشير إلى أن المدمرين بذلوا جهودًا كبيرة لتدمير المبنى تمامًا وإخراجه من الاستخدام”.
المصدر: Journal of Archaeological Science، 2023. 10.1016/j.jas.2023.105823
اترك تعليقاً