في مواجهة أدلة جديدة، يبدأ الفيزيائيون في رؤية الكون ليس مكونًا من طبقات متفرقة، ولكنه كله كائن كمي واحد مرتبط بالتشابك الكمي.
فهم الكون من خلال تقسيم الواقع
تفسير الفيزيائيين للكون يعتمد على تقسيم كل شيء إلى أجزاءه المكونة، وهذا ما يعرف بالتقليصية. وكفيزيائي جسيمات، نشأت على هذه الفلسفة. لقد أحضرت الفيزياء بعيدًا جدًا – إنها كيفية بناء صورتنا الحالية للمادة وعملها. ولكن الآن، مع توقف التقدم الإضافي، أنا مقتنع بأننا بحاجة إلى القيام بأمور مختلفة من هنا.
توسيع النظرة
بدلاً من التقريب أكثر فأكثر نحو الداخل، أعتقد أننا بحاجة إلى التكبير. وبذلك، قد نرى أن كل شيء هناك، بما في ذلك الأشياء الأساسية مثل الفضاء والزمن، تتكسر من جملة موحدة. قد يبدو هذا وكأنه فلسفة أو تصوف، ولكنه في الواقع نتيجة مباشرة لتطبيق الميكانيكا الكمية على الكون بأكمله. عندما تفعل ذلك، تدرك أن الكون ليس مكونًا بشكل أساسي من أجزاء منفصلة على الإطلاق، ولكنه بدلاً من ذلك كائن كمي واحد.
الأدلة التجريبية
إنها فكرة جذرية، ونحن نبدأ للتو في اختبارها تجريبيًا. ولكن إذا كانت صحيحة، فقد تساعد في حل بعض الألغاز الأكثر إثارة في الفيزياء وتقلب طريقة تفكيرنا في الكون.
الأزمة في الفيزياء الجسيمات
على مدى قرن تقريبًا، حاول الفيزيائيون فهم الطبقات الأكثر أساسية للواقع دون معرفة ما يحدث في داخلها. في الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما عمل إنريكو فيرمي على معرفة كيف يتحلل النيوترون إلى بروتون ويطرح إلكترونًا – المعروف باسم تحلل بيتا – فعل ذلك فقط من خلال النظر في الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات المشاركة. وفقط بعد عقود، عندما اكتشف الفيزيائيون جسيم وسيط يسمى جسيم W، أدركوا أن هناك طبقة أعمق من التفاعلات تحدث على مقياسات أصغر.
نظرية الحقل الفعال
تعتبر نظرية الحقل الفعال (EFT) اسمًا يطلق على أي عمل يستغل هذه الفكرة. عندما يرغب الفيزيائيون في وصف تأثيرات تتجاوز نظرية معترف بها ولكنها غير كاملة، دون تحديد ما هي الفيزياء الجديدة، يستخدمون EFTs. “كل شيء هو EFT”، يقول كليف بيرجس، فيزيائي في جامعة ماكماستر في هاميلتون، كندا، الذي كتب كتابًا عن هذا النهج.
المشكلات المتعلقة بنظرية الحقل الفعال
من الأمور المريبة التي يشغل بها الفيزيائيون النظريون منذ سنوات تتعلق بجسيم هيغز، الذي يتحمل مسؤولية إعطاء كتلة للكواركات والإلكترونات. في النظريات مثل النموذج القياسي، يمكن للجسيمات أن تتحول مؤقتًا إلى جسيمات قصيرة العمر، تعرف باسم الجسيمات الظاهرية، ثم تتحلل سريعًا إلى الجسيم الأصلي. في طريقة الكم الغريبة، قواعد تحكم عالم الجسيمات، تساهم هذه التقلبات في كتلة الجسيم. يعتمد مدى هذا المساهمة على أعلى طاقة يمكن أن تكون للجسيمات الظاهرية.
المشكلة الدقيقة
لحل هذا اللغز، يعتمد حساب المساهمات في كتلة الجسيم على حدود الطاقة التي ينطبق عليها النموذج القياسي – أو حجم الدمية الروسية. بقدر ما نعلم، فإن الحد العلوي للطاقة هو مقياس بلانك، أصغر مقياس موجود والنقطة التي تصبح فيها تأثيرات الجاذبية مهمة ويجب أن يتم استبدال النموذج القياسي بشيء يوحد الجاذبية والميكانيكا الكمية. ووفقًا لهذه الفكرة، يتوقع أن تحدد كتلة جسيم هيغز مقياس بلانك. ولكن التوقع هو أنها تزيد بمقدار 17 أمر من الكتلة الفعلية التي قيست عندما تم اكتشاف الجسيم في ال LHC.
الحل الوحيد
الطريقة الوحيدة للتغلب على هذا اللغز هو قبول أن المساهمات غير المرتبطة تمامًا في كتلة هيغز من الجسيمات الظاهرية العابرة تحدث بالصدفة تقريبًا لإلغاء بعضها البعض تمامًا. هذا يجعل الظروف التي نراها في كوننا غير مرجحة مثل قلم يتوازن على طرفه. وهذا ما يعرف بمشكلة الضبط الدقيق.
الأزمة في الفيزياء الجسيمات
تظهر لغز مماثل في علم الكونية. يتعلق هذا اللغز بالطاقة المظلمة، القوة الغامضة التي تدفع التمدد المتسارع للكون. يعتقد أن التمدد يسببه الطاقة المخزنة في الفراغ الفضائي. ولكن هنا، تختلف واقعنا المرصود أكثر عن التوقعات: قيمة الطاقة الفراغية التي نقيسها صغيرة جدًا بمقدار 30 أمر من الكتلة. أزمة في فيزياء الجسيمات
محاولات حل الألغاز
هناك بعض المحاولات لحل هذين اللغزين. على سبيل المثال، تتوقع نظرية التضادات الفائقة وجود جسيمات جديدة تلغي التقلبات الكمية التي تنتجها جسيمات النموذج القياسي. وتشير حلول بديلة إلى أبعاد إضافية للزمكان والزمكان. تقول هذه الفكرة – التي اقترحها نيما أركاني-هامد، الآن في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون، نيوجيرسي، وزملاؤه – أن الجاذبية قد تتسرب إلى هذه الأبعاد الإضافية، مما يجعلها تبدو أضعف مما هي عليه في الواقع. تتوقع النماذج المستندة إلى هذه الفكرة مقياس بلانك أقل، مما يعني كتلة هيغز أصغر. الأبعاد الإضافية غير مرئية لأنها ملفوفة بإحكام بحيث تكون قد هربت من الكشف التجريبي حتى الآن.
الفيزياء الجسيمات في أزمة
باختصار، فإن الفيزياء الجسيمات في أزمة. ولهذا السبب، بدأت مجموعة صغيرة من النظريين، بما في ذلك أنا، في استكشاف نهج آخر جذري – يقترح بديلاً للتقليصية كما نعرفها. بدلاً من معاملة مستويات الطاقة المختلفة للكون بشكل منفصل، فإنه يعاملها كما لو أن لها بعض الأثر على بعضها البعض.
فهم كوننا من خلال تقسيم الواقع
لفهم كيف يعمل ذلك، تفكر في تشبيه يستخدمه الفيزيائيون يستدعي الحدود التي تصبح فيها ألوان قوس قزح غير مرئية. في أعلى الطاقات، وبالتالي أصغر الأحجام، بعد اللون البنفسجي في قوس قزح هو ما نسميه الأشعة فوق البنفسجية (UV). في أدنى الطاقات وأكبر الأحجام، لديك ما نسميه الأشعة تحت الحمراء (IR). بين الاثنين، في الجزء المرئي من القوس قزح، هو المجال الذي يعمل فيه النموذج القياسي.
المزيد من الأبحاث
لفترة طويلة، لم يكن هناك الكثير من الاهتمام بهذه النتيجة. معظم الناس كانوا يركزون على التضاد الفائق وقدرته على حل مشكلة جسيم هيغز. ولكن في الآونة الأخيرة، أصبحت الأزمة في الفيزياء أكثر وضوحًا، حيث تراجعت الحلول المحتملة لمشكلة الضبط الدقيق. نتيجة لذلك، بدأت نظريات كوهين وزملائه تلقى اهتمامًا كبيرًا من النظريين مثلي. بدأت أتساءل: إذا كان التداخل بين الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء يمكن أن يساعد في حل مشكلة الطاقة المظلمة، هل يمكن أن يساعد أيضًا في حل المشكلة الثانوية الرئيسية في الفيزياء الأساسية، وهي خفة جسيم هيغز؟
الترابط الكمي
يُصف الترابط الكمي عادةً بأنه ترابط مدهش بين الكائنات الكمية. قم بإعداد جسيمين بطريقة معينة وسيحدد قياس أحدهما الآخر فورًا، بغض النظر عن المسافة بينهما. ولكن يمكن التفكير في هذه الارتباطات على أنها دليل على حقيقة أن الأنظمة الكمية المترابطة لا يمكن فهمها على أنها مصنوعة من أجزاء: إنها واحدة واحدة. تمامًا كما يربط هذا العدم القابلية للانقسام الجسيمات البعيدة، يمكنه أيضًا ربط التأثيرات الكمية عند طاقات مختلفة. بعبارة أخرى، يمكن أن يكون الترابط الكمي مسؤولًا عن مقاييس الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء للكون التي يبدو أنها تتحدث مع بعضها البعض.
التأثيرات المترابطة
مع تقدمنا في مقياس الحجم وانخفاض الطاقة، يمكن أن تتعطل تأثيرات الطاقات الأقل بواسطة عملية تسمى التشتت. هذه الظاهرة الكمية المفهومة جيدًا تخفي الترابط عن عين المراقب المحلي. إنه السبب في عدم تجربتنا لأي غرابة كمية في حياتنا اليومية.
الترابط والتداخل
وجدت بعض الأبحاث علاقة بين الترابط والتداخل بين الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء، ولكن الحدود في دراسة كوهين وزملائه كانت ناجمة عن الجاذبية بدلاً من الترابط. وبشكل مثير للإعجاب، تقدم الأبحاث الحديثة التي أجراها بعض الباحثين الرائدين في نظرية الأوتار حلاً: عن طريق اقتراح أن الجاذبية نفسها قد تكون ترابطًا متنكرًا.
تأثيرات الترابط على الكون
إذا كنا نستدل على دعم هذه الفكرة، فإنه سيغير بشكل جذري الطريقة التي نفهم بها الكون. سيعني ذلك أننا لن نرى فقط عالمًا في حبة رمل، كما قال الشاعر وليام بليك، ولكننا قد نرى حرفيًا الكون بأكمله في أصغر قطعه وجزيئاته. وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو مجرد طريقة مختلفة للتعامل مع الفيزياء، إلا أنه أكثر من ذلك بكثير. أعتقد أننا في طريقنا إلى فهم جديد تمامًا لكيفية تكوين الكون.
هاينريش باس هو فيزيائي نظري في جامعة تكنولوجيا دورتموند في ألمانيا ومؤلف كتاب “كل شيء هو واحد”.
تعرف على المزيد عن أسرار الكون. قم بزيارة مسرح الكون في New Scientist Live في أكتوبر 2023 newscientistlive.com
اترك تعليقاً