تكشف جينات الكائنات الدقيقة التي تعيش على عمق يصل إلى 1.5 كيلومتر تحت سطح الأرض عن انقسام بين أساليب البقاء البسيطة والمتطورة.
أهمية الكائنات الدقيقة تحت الأرض
على الرغم من الظروف القاسية في العمق، فإن الكائنات الدقيقة تشكل جزءًا هائلاً من البيوسفير الخاصة بكوكبنا. إنها تأتي في المرتبة الثانية بعد النباتات من حيث الكتلة الإجمالية المقدرة.
تسمح منجم الذهب المهجور في ولاية داكوتا الجنوبية بإلقاء نظرة عميقة على هذا العالم السري للتنوع البيولوجي المدفون. في بحث جديد نشر في مجلة البيئة الدقيقة، يكشف تحليل جيني للكائنات الدقيقة في المنجم من عمق يصل إلى 1.5 كيلومتر تحت السطح عن انقسام في استراتيجيات البقاء على قيد الحياة. بعض الكائنات الدقيقة لديها جينومات ضخمة تجهزها لهضم أي مغذيات قد تأتي في طريقها. بينما البعض الآخر مبسط جينيًا لدرجة أنه لا يمكنه حتى صنع بعض الكتل الأساسية للحياة وبدلاً من ذلك يعتمد على جمعها أو العيش بتعايش مع أنواع أخرى.
أهمية الكائنات الدقيقة تحت الأرض
قد تكون الحياة التي تكمن في العمق تحت سطح الأرض مشابهة للكائنات الفضائية التي تعيش في عوالم أخرى؛ بالمقارنة مع كوكبنا الذي يوفر ظروف سطحية ملائمة، فإن كل كوكب أو قمر آخر في النظام الشمسي الذي يمكن أن يكون موطنًا للحياة كما نعرفها يوفر ظروف سطحية أقل ملائمة بكثير. ومع ذلك، تحت هذه الظروف القاسية، على الرغم من الظلام الذي يلتهم كل شيء، يكون الكائن محميًا من الأشعة الكونية الخطرة ومُدفأً بالحرارة الجيولوجية. يمكن أن تكون هذه البيئات الجوفية موطنًا افتراضيًا لأي حياة في أي مكان آخر في النظام الشمسي، إن لم يكن في الكون بأكمله – وهذا يجعل الكائنات الدقيقة القوية المختبئة داخل كوكبنا ذو أهمية حيوية لعلماء الفلك الحياة الفلكية. إذا كان هناك أي شيء يعيش الآن على المريخ، على سبيل المثال، فمن المحتمل أنه يعيش تحت الأرض ويبدو ويتصرف بشكل كبير مثل سكان أعماق الأرض.
أهمية الكائنات الدقيقة تحت الأرض
تمتلك الكائنات الدقيقة تحت الأقدام أهمية أيضًا على مستوى أقرب إلينا. لا أحد يعرف حقًا تفاصيل كيف ينتقل الكربون من الغلاف الجوي والبيئات المائية إلى العمق تحت الأرض. يقول كارثيك أنانثارامان، عالم بيئة الكائنات الدقيقة في جامعة ويسكونسن – ماديسون، الذي لم يكن مشاركًا في البحث الجديد ولكن مختبره قام بإنشاء أداة تحليل جينومي تم استخدامها في الدراسة: “كيف تؤثر الكائنات الدقيقة على هذا الدورة؟ وبأي معدل يتم نقل الكربون؟” بدون هذه الإجابات، قد يكون فهمنا المتعمق لدورة الكربون وتأثيرها الهائل على المناخ وقابلية الحياة على الأرض أمرًا مستحيلاً.
تصبح هذه الأسئلة أكثر إلحاحًا، نظرًا لأن البشر يأملون في التخفيف من تغير المناخ عن طريق حقن ثاني أكسيد الكربون مرة أخرى تحت الأرض، وهو عملية تسمى تخزين الكربون. “يحدث الكثير من هذه المحادثات بدون تقدير حقيقي لحقيقة أن الكائنات الدقيقة تعيش فعليًا تحت الأرض وقد تكون مهتمة بالتلاعب بهذه العمليات”، وفقًا لما قالته ماجدلينا أوزبورن، كبيرة الباحثين في الدراسة الجديدة وجيولوجية الحياة في جامعة نورث وسترن.
مرصد الكائنات الدقيقة في المنجم العميق
يعد مرصد الكائنات الدقيقة في منجم الذهب السابق في جبال البلاك هيلز في ولاية داكوتا الجنوبية واحدًا من الأماكن القليلة على وجه الأرض حيث يمكن للباحثين دراسة هذه المجتمعات العميقة على مدى فترات طويلة من الزمن. “هناك عدد قليل جدًا من الآبار العميقة من هذا القبيل”، وفقًا لما قاله أنانثارامان.
يغوص الباحثون في الآبار المثقوبة للوصول إلى الشقوق المملوءة بالسوائل في الصخور، حيث يقومون بتصفية عدة لترات من الماء من كل منها لالتقاط الآلاف من الخلايا الدقيقة الفردية وجيناتها. في الدراسة الجديدة، جمع الفريق عينات من عمق 244 و 610 و 1,250 و 1,478 مترًا وقارنها بعينات أخذت من جدول مائي قريب على السطح.
ثم فتح الباحثون الخلايا الدقيقة وقاموا بتسلسل المواد الوراثية الخاصة بها معًا في عملية واحدة. من هذا التخليط، قام الفريق بإعادة بناء الجينات الناتجة إلى أجسام حية باستخدام برنامج يكشف عن التداخلات بين التسلسلات الفردية. كانت الطريقة تشبه إلى حد ما أخذ رفوف مليئة بالكتب وتمزيقها ثم إعادة بنائها من الشرائح، وفقًا لما قاله مومبر.
كشفت هذه الطريقة عن جينومات لم يسبق رؤيتها من قبل، مما يشير إلى وجود العديد من الأنواع الجديدة المختبئة في أعماق منجم الذهب السابق. وجد الباحثون أيضًا كمية كبيرة من التنوع بين الكائنات الحية. “الشيء الذي لفت انتباهنا على الفور هو أنهم يقومون بأشياء كثيرة”، وفقًا لما قاله أوزبورن. “القدرة الاستقلابية لهذه الكائنات واسعة، لذا هناك إمكانية كبيرة لدورة النيتروجين والكبريت والمعادن في كل مكان”.
بعض الكائنات الحية كانت بسيطة، مع وجود جينات لعمليات استقلابية محددة جدًا. لم يكن من المفاجئ رؤية ذلك في مكان فقير بالمغذيات مثل العمق، وفقًا لما قاله أنانثارامان، لأن هناك عبء استقلابي مرتبط بالحفاظ على جينوم كبير يحتاج إلى الكثير من الطاقة. وما كان أكثر مفاجأة، وفقًا لما قاله، هو اكتشاف فئة ثانية من الكائنات الحية المتطورة. هذه الكائنات لديها القدرة على استقلاب المواد الكيميائية التي لم يتم العثور عليها في بيئتها.
هذا الاستعداد الزائد مفاجئ لأن هناك تكلفة طاقية للحفاظ على العديد من الجينات للقدرات الاستقلابية المختلفة، وفقًا لما قاله أوزبورن. ولكن قد يكون الطابع “المتجهز” لهذه الكائنات ذو فائدة في العمق. “الشقوق تفتح؛ الشقوق تغلق؛ الأشياء تتعدين”، وفقًا لما قالته. “كثير من هذه الكائنات مجرد مستعدة لأي مصدر طاقة يأتي”.
مرصد الكائنات الدقيقة في المنجم العميق
يعد منجم هومستيك السابق، الذي تم إغلاقه في عام 2002، واحدًا من الأماكن القليلة التي يمكن للباحثين العودة إليها مرارًا وتكرارًا لأخذ عينات من نفس الآبار. هناك عدد قليل من المواقع الأخرى للمراقبة طويلة الأجل في جميع أنحاء العالم حيث قام العلماء بأخذ عينات من المادة المظلمة الميكروبية، بما في ذلك في كندا والسويد وسويسرا وفنلندا. من الصعب إجراء مقارنات صحيحة بين هذه المواقع، وفقًا لما قاله أنانثارامان، لأنها تغطي مجموعة واسعة من الظروف البيئية. وهذا يجعل من الصعب الإجابة على أسئلة مثل مدى تنوع الكائنات الدقيقة يتفاوت مع العمق.
ومع ذلك، فإن نمطًا مشتركًا هو أن معظم المواقع تستضيف مجموعة واسعة من الحياة. يقوم أوزبورن وفريقه الآن بدراسة ليس فقط الحمض النووي ولكن أيضًا الحمض النووي الريبوزي، الوسيط الجزيئي بين الجينات والبروتينات. يمكن أن تكشف دراسة الحمض النووي الريبوزي الدقيق عن ما يمكن أن تفعله الكائنات الدقيقة ليس فقط، ولكن ما يفعلونه في لحظة معينة. مشروع آخر حالي هو تحليل الأغشية الحيوية تحت السطح – تجمعات مستقرة من الكائنات الدقيقة محمية بإفرازات مخاطية، والتي نواجهها عادة كترسبات متسخة في المراحيض وحوض المطبخ. تصعب دراسة الأغشية الحيوية، وفقًا لما قاله أوزبورن، ولكن الباحثين حظوا بالحظ السعيد: أنشأوا نظام ترشيح طويل الأجل في آبار المنجم في ديسمبر 2019 وكان من المقرر جمعه بعد ثلاثة إلى ستة أشهر. بدلاً من ذلك، ضربت جائحة COVID، وجلس نظام الترشيح لمدة أربع سنوات قبل أن يتمكن الفريق من العودة للتحقق منه. بشكل معجزة، كان سليمًا.
“هذا هو أقرب تقريب لنا حتى الآن لما يبدو عليه البيئة الحيوية المعتمدة على الأغشية في الموقع”، وفقًا لما قاله أوزبورن. “لقد أنتجت الكائنات الحية الدقيقة الكثير من الكتلة الحيوية، وتبدو مختلفة حقًا بطريقة مثيرة للاهتمام”.
تمت كتابة هذه المقالة بواسطة ستيفاني باباس، صحفية علمية مستقلة. وهي مقرها في دنفر، كولورادو.
اترك تعليقاً