سبق أن كانت التضحيات الحيوانية الدينية منتشرة في العالم القديم سواء لإرضاء الآلهة أو تكريم الموتى. ولكن هناك منطقة حيث يبدو أن هذه الطقوس لم تحدث لفترة طويلة.
نقص الأدلة على التضحيات الحيوانية في العصور القديمة
كانت السجلات الأثرية تفتقر تقريبًا إلى أي أدلة على التضحيات الحيوانية الكبيرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط خلال العصور الحديدية. لم يتم العثور على أي مصادر مكتوبة تصف هذه الممارسة. في حين أن السبب الدقيق لعدم وجود أدلة لا يزال غير معروف، اكتشف الآثريون الآن المزيد من التفاصيل حول أحد المواقع القليلة التي كانت تعرف بحدوث التضحيات في العصور الحديدية في البحر الأبيض المتوسط، وهي موقع في غرب إسبانيا.
كاساس ديل تورونيلو – موقع التضحيات الحيوانية
تخبرنا عظام كاساس ديل تورونيلو بالمزيد من المعلومات من ما وراء القبر من أي وقت مضى. “تمثل الحيوانات الـ 52 الموضوعة في ساحة كاساس دي تورونيلو سلسلة من حلقات الذبح”، قال فريق من الآثاريين في دراسة نشرت مؤخرًا في مجلة PLOS ONE. أكثر من مجرد مرحلة
كانت كاساس ديل تورونيلو مركزًا مزدهرًا لثقافة تارتيسية من القرن التاسع إلى القرن الخامس قبل الميلاد. كانت هذه الثقافة مزيجًا من الممارسات المحلية وتلك التي تعود للفينيقيين (الذين كانوا يضحون بالحيوانات وربما أكثر من ذلك) الذين هبطوا في شبه الجزيرة الإيبيرية الجنوبية حوالي القرن التاسع قبل الميلاد.
تحليل العظام وتحديد التضحيات
قام الآثريون بتصنيف 6770 عظمة في الموقع، وكان العديد منها من الخيول والبغال والحمير، ودفنت جنبًا إلى جنب مع الخنازير والماشية وكلب وحيد. كيف يمكن للآثريين أن يتأكدوا من أن هذه الحيوانات تم تضحيتها وليس تذبحها للطعام أو أنها توفت بسبب المرض؟ “يستبعد حقيقة أن الحيوانات في الغالب بالغة السن احتمال أنها توفت بسبب أسباب طبيعية أو وبائية”، قالوا في دراسة نشرت مؤخرًا في مجلة PLOS ONE. “بالإضافة إلى ذلك، فإن تراكب بعض الخيول بشكل مسرحي، بالإضافة إلى دلائل على حرق العروض النباتية، تشير إلى تضحية طقوسية مقصودة”.
ثلاث مراحل متميزة للتضحية الحيوانية
تم تحديد ثلاث مراحل متميزة للتضحية الحيوانية في كاساس ديل تورونيلو. تم تنفيذ التضحيات بطرق مختلفة اعتمادًا على الفترة الزمنية. ينتمي معظم الحيوانات إلى المرحلة 1، وهي مجموعة من العظام في أسفل ساحة قديمة (تم تنفيذ التضحيات التي حدثت في وقت لاحق فوق العظام المدفونة من الطقوس السابقة)، ومعظم هذه الحيوانات هي خيول. تحتوي هذه المرحلة على العديد من الهياكل العظمية الكاملة والشبه كاملة. يُعتقد أن الحيوانات المتناثرة أو النشاط البشري أو النار (التي ربما تكون من التضحية) قد تكون مسؤولة عن أي عظام مفقودة. تم وضع الهياكل العظمية فوق الأخشاب المحترقة والشعير. كشفت الدراسة الأكثر تفصيلاً أن معظم المواد العظمية تم تغييرها بواسطة الحرارة، مما يعني أن هذه الحيوانات ربما كانت تضحيات محروقة.
غموض الخيول الأشباح
تصف الكتابات القديمة تضحيات الخيول في البحر الأبيض المتوسط، وفي بعض الأحيان تشمل مئات الحيوانات، ولكن لم يكن هناك الكثير من الأدلة لدعم ذلك. كان هناك أقل من مئة في كاساس ديل تورونيلو، على الرغم من أن معظمها كانت خيولًا. تم تقدير أعمار جميع التضحيات في وقت وفاتهم من خلال علامات التآكل على أسنانهم. تبين أن معظمهم كانوا حيوانات عمل ذكور في أفضل سنهم، وكان ثمانية منهم يحملون آثار استخدام اللجامات المعدنية في أفواههم. وهذا يشكل دليلاً إضافيًا على استخدامهم في الحروب أو التنقل أو العمل الزراعي.
ما لفت الانتباه في المرحلة 1 هو أن الخيول في تلك المرحلة تم تضحيتها بأزواج أو على الأقل وضعت بهذه الطريقة بعد الموت. يقترح الآثريون أنها قد سحبت عربات معًا قبل الموت. كما حدثت حالة في المرحلة 2 حيث تم تقاطع أعناق هيكلين في وسط ما كان يعتبر ساحة في السابق. إن كان ذلك جزءًا من طقوس مرتبطة بإله أو حياة ما بعد الموت لصاحب الملكية المتوفى فذلك مجهول.
لماذا تم تضحية الخيول؟
لا يزال سبب تضحية الخيول، على وجه الخصوص، سؤالًا مفتوحًا. يعتقد الباحثون أن هناك احتمالية استخدامها في التضحية الجنائزية حتى يتمكن المتوفى من دخول الحياة الأخرى إلى جانب رفاقه المخلصين. وقد تم توثيق ذلك في ثقافات قديمة أخرى، مثل السكايثيين في روسيا وأوكرانيا حيث كانوا يضحون بالخيول في الجنازات. ما إذا كان هذا هو الحال بالنسبة لبعض الخيول في كاساس ديل تورونيلو لا يزال غموضًا.
المصدر: PLOS One، 2023. DOI: 10.1371/journal.pone.0293654
اترك تعليقاً